close button
انتقل إلى إيران وير لايت؟
يبدو أنك تواجه مشكلة في تحميل المحتوى على هذه الصفحة. قم بالتبديل إلى إيران وير لايت بدلاً من ذلك.
من داخل إيران

أريد أن أغادر وطني .. موجة الهجرة الجديدة وتداعياتها على المجتمع الإيراني

28 مارس 2022
رقیه رضایی
٧ دقيقة للقراءة
أريد أن أغادر وطني .. موجة الهجرة الجديدة وتداعياتها على المجتمع الإيراني

تأسيساً على كلام أحد أعضاء غرفة التجارة الإيرانية، فإن حمّى الهجرة وصلت إلى أشخاص لا يتوافرون على المعايير السابقة للهجرة، وحالياً يَتقدّم إلى الهجرة الأشخاص "العاديون" كالسمكري وصانع المطابخ والخزائن وشيف المطاعم والكهربجي والحلاق.

ما الذي يجري في إيران ولماذا يريد معظم الناس، حتى العمال غير الماهرين، أن يهاجروا من وطن وُلِدوا فيه ويعرفون لغته ويُقيم فيه أهلهم وأحبتهم؟ ما التداعيات التي ستَحملها موجة الهجرة الجديدة على الاقتصاد الإيراني الهش وعلى المجتمع الإيراني الضعيف؟

للإجابة عن هذه الأسئلة، حاور إيران وير كلاً من "مهرداد درويش بور"، خبير في علم الاجتماع وأستاذ في "جامعة مالاردالن" في السويد؛ و"هيوا سروي"، عامل إيراني يَعمل منذ سنوات في صناعة المطابخ والخزائن في "مانشستر" البريطانية؛ وكهربجي يُقيم في طهران.

هل هجرة العمال نصف المهرة أو البسيطين أمر طبيعي؟

إن هجرة العمال في جميع أرجاء العالم ليست موضوعاً جديداً. وفي إيران بدأ هؤلاء منذ ستينيات القرن المنصرم يهاجرون إلى دول الجوار للعمل فيها. وقد تزامن هذا مع تشكل الحكومات الوطنية؛ وكانت الهجرة في معظمها من قرى وهوامش مدن المحافظات الإيرانية الجنوبية. وهناك دلائل على أن قرابة ثلث سكان الكويت التي كانت صنعة النفط فيها في طور التطور في أواسط 1970 كانوا عمالاً إيرانيين.

أضف إلى هذا أن أواخر ثمانينيات القرن العشرين، بعد أن وضعت الحرب العراقية الإيرانية أوزارها، شهدت هجرة عدد لا يُحصى من الشباب العاطلين عن العمل إلى اليابان التي سمحت لهم بدخول أراضيها من دون الحاجة إلى تأشيرة الدخول؛ وهو مثال جيد جداً على هجرة العمال الإيرانيين البسيطين ونصف المهرة إلى الضفة الأخرى من البحر.

على أن هجرة العمال الإيرانيين تقلصت في العقود الأخيرة تقلصاً كبيراً، واقتصرت على دول الجوار مثل تركيا وإقليم كردستان العراق والكويت والإمارات؛ والهدف منها كان جمع رأسمال والعودة إلى إيران. وعليه، قد تَكون مخاوف التخلي عن الوطن ومغادرته لها أسبابها، أو كما يقول "حميد حسيني"، عضو غرفة التجارة الإيرانية، فإن تقديم الأشخاص العاديين وأصحاب الحرف على الهجرة ينبغي أن يُثير مخاوف صنّاع القرار.

هل الأوضاع سيئة في إيران حقاً؟

حتى ندرك الوقائع حول أوضاع تقديم الطلبات على الهجرة من إيران ليس أمامنا أي مصدر أفضل وأكثر وعياً من المواطنين الإيرانيين أنفسهم.

"هيوا سروي"، شاب إيراني عمره 30 عاماً أصبح لاجئاً في بريطانيا منذ سنة 2015 ويعمل حالياً في مدينة مانشستر في محل صناعة المطابخ والخزائن. يقول عن تجربته لإيران وير: "أفضل إنجاز لي في حياتي هو الهجرة من إيران. في إيران كنت أعمل في صنع الأرائك والكنبايات. وما أملكه هنا لم أكن أحلم به في إيران".

يُشار إلى أنه كان يعيش مع والدته في إيران في ظروف صعبة. ويتحدث لإيران وير عن ظروف حياته في بريطانيا فيقول: "هنا أخذت قرضاً من البنك واشتريت منزلاً. ومن السنة الأولى من وصولي اشتريت سيارة. وكل سنة أزور إيطاليا أو إسبانيا مرة على الأقل. وهذا ما كان مستحيلاً تحقيقه في إيران".

هو أحد المعتنقين الجدد بالمسيحية. ويشير إلى حرية الدين والعلاقات الاجتماعية في بريطانيا قائلاً: "هنا أمتلك الحرية، وأنا من اخترت ديني. وأنا مرتاح في علاقاتي مع الآخرين وأستطيع شرب الخمر. قد يبدو الأمر مضحكاً لكني كنت أعمل في إيران في ورشة صاحبُها رجل متدين. ومع ذلك كان هو وجميع من يعمل في الورشة، باستثنائي أنا وشخص آخر، مدمنين على المخدرات".

أما "جواد" فهو كهربجي في إيران. يقول إنه سيهاجر في أول فرصة تسنح له: "لي صنعتي، ودخلي الشهري يتراوح بين 10 و15 مليون تومان. وإذا لم أصرف شيئاً وادّخرت جميع نقودي فسأملك في نهاية السنة بين 120 و180 مليون تومان؛ فماذا يمكنني أن أفعل بهذا المبلغ؟ ففي كل سنة يُضاف بمقدار هذا المبلغ إلى إيجار المنزل. وليس هناك بيت سعرُه أقل من ملياري تومان".

يقول إن له صديقاً ليس محترفاً في المهنة مثله، لكنه هاجر إلى كندا وقد اشترى هناك منزلاً، والسيارة التي يركبها ليست موجودة في إيران أصلاً: "لم يكن لصديقي هنا أي شيء، لكنه يعمل الآن كهربجياً في كندا. وبعد فترة قصيرة حصل على الشهادة من الكلية. والآن يركب سيارة أكورا واشترى منزلاً كبيراً".

لماذا يريد عمال الأقسام الخدمية الهجرة من إيران؟

مهرداد درويش بور، خبير في علم الاجتماع وباحث متخصص في الهجرة والجنسانية، يعتقد أن "هجرة العمال المهرة ونصف المهرة من الدول الهوامش إلى الغرب هي هجرة معروفة. وأحياناً يسافر هؤلاء لتحسين ظروفهم الاقتصادية أو بسبب افتقادهم آفاقاً مستقبلية، فيسافرون إلى دول الجوار أو إلى الدول الغربية".

ومع ذلك فهو يقول إن انتشار موضوع هذه الهجرة من دون عودة في أوساط العمال نصف المهرة والأشخاص المتوسطي الأعمار في إيران لم يكن مسبوقاً قبل الآن.

وعن الأسباب التي تُجبر العمال على الهجرة يقول لإيران وير: "دائماً ما كانت الهجرة إلى الغرب مرتبطةً بالطبقة المرفهة في إيران. صحيح أننا شهدنا نماذج من هجرة العمال إلى دول الجوار مثل أذربيجان ودول الخليج، لكن لا تُمكِن مقارنتها مع الهجرة الأخيرة التي وصلت أبعادها إلى العمال نصف المهرة أيضاً. هذا الأمر ينمّ عن واقع أن أزمات الاقتصاد والتضخم والبطالة وانخفاض المستوى الواقعي للأجور لم تترك أي آفاق مبشِّرة بالمستقبل".

كما يقول هذا الخبير في علم الاجتماع والأستاذ الأكاديمي في جامعة مالاردالن السويدية: "إن جيل الشباب والنساء يرون أنه لا مستقبل لهم أبداً؛ ومردُّ ذلك إلى العنصرية المضاعفة التي تُرتكَب بحقهم في إيران، وكذلك بسبب الفجوة بينهم وبين النظام الإيراني الإسلامي. وعليه، فإن الرغبة في الهجرة أكبر في أوساطهم. وفيما يتعلق بالشباب فإن ما يقوي دافعهم إلى الهجرة أكبر هو أن لديهم وقتاً أكثر لجمع رأسمال لمستقبلهم".

يتابع درويش بور مشيراً إلى تغيير أعمار شرائح المجتمع المطالبة بالهجرة من إيران: "ما نشاهده اليوم في المجتمع الإيراني هو تزايد هجرة الفئات العمرية المتوسطة التي ليست لديهم بالضرورة ميول سياسية وإنسانية، بل تهاجر للأسباب الاقتصادية وحسب".

يضيف قائلاً: "حتى العمال المتوسطو الأعمار من المهرة ونصف المهرة في إيران ممن بنوا رأسمالاً في إيران لم يَعودوا يجدون آفاقاً جديرة أمامهم، فاتخذوا القرار بالهجرة منها. وهذا يدلّ على تزايد حدة الضغوط الاقتصادية واضطراب المجتمع الإيراني وافتقاد الآفاق أمامه".

كما يشير درويش بور إلى العنصرية القومية والإثنية بوصفها أحد الأسباب الأخرى للهجرة الاقتصادية ويقول: "من بين الشرائح الفقيرة التي تتزايد الهجرة في أوساطها يوماً بعد آخر نجد الفئات الإثنية التي تعاني من الظلم؛ وخصوصاً الأفغان الذين لا يتمتعون إلا بالحد الأدنى من حظوظ إقامة ركائز مستقبلهم في إيران. إن هجرة اليافعين والشباب الأفغان الذين وُلِدوا في إيران وترعرعوا فيها، ورغم فقرهم، تنمّ عن العنصرية الإثنية الشديدة وتحديداً ضد هؤلاء الأفغان".

ما الذي سيحدث لإيران مع موجة الهجرة الجديدة؟

يعتقد مهرداد درويش بور أن اتساع رقعة هجرة العمال الاقتصادية ينمّ عن أن المجتمع أصبح أكثر فقراً، وأمسى لا يرى أي مستقبل لمواطنيه.

يضيف فيقول: "حتى لو وضعنا جانباً الهجرة التي تَحدث بدوافع سياسية لفئات مثل الكتّاب والمفكرين والنشطاء المدنيين والسياسيين ممن يشعرون أن الخناق ضاق عليهم فيسلكون مسلك الهجرة، فإن الهجرة الاقتصادية ولا سيما الكوادر نصف المهرة الذي يُشكلون رأسمال إيران الاجتماعي والبشري تُلحِق ضرراً كبيراً بالمجتمع الإيراني".

يعتبر درويش بور أن هجرة الأيدي العاملة المتدربة والمجرَّبة في إيران والقاصدة البقاء في البلد المهاجَر إليه هي سبب فقر البلد المهاجَر منه، ويقول: "من ناحية أُولى تَصب هجرة هذه الأيدي العاملة في مصلحة الدول الغربية، ومن ناحية ثانية تَحدث فجوة لا تُعوَّض للأيدي العاملة الماهرة. في الأثناء، فإن هذا إلى جانب مشكلات اقتصادية واجتماعية متعددة يُفقِر المجتمع أكثر فأكثر".

يشير درويش بور إلى مفهوم يُدعى "حيوية الهوامش" التي تُمكِن مشاهدتها على جميع المستويات، منها الوطني ومنها فوق الوطني. يقول: "في المناطق الهامشية في بلدٍ ما أو في العلاقة بين الهامش والمركز على المستوى الوطني والدولي، يترك كثيرون المناطق المهمَّشة أو الدولَ الفقيرة بمحض عثورهم على الإمكانيات، وبهذا الترك وفرار رؤوس الأموال الاجتماعية والقوة العاملة من البلد تصبح تلك المناطق أكثر هامشيةً وفقراً. مع الأسف فإن إيران تواجه هذه الحقيقةَ والآفاق".

ومع هذا، فإن هذا الخبير في علم الاجتماع وحامل الجنسيتين الإيرانية والسويدية يشير إلى عودة جزء من رأس المال المفقود إلى البلد الأصل على شكل "الاقتصاد العالمي" من خلال إرسال الأموال إلى مسقط الرأس والاستثمار فيه: "ليس واضحاً لي أمرُ إلى أي مدى تَحدث عودة رؤوس الأموال إلى إيران عن طريق استثمار المهاجرين الذين وصلوا إلى أوضاع مالية مناسبة؛ ومردُّ ذلك إلى أن هجرة معظمهم عادةً ما تَكون لاستياء سياسي واجتماعي وثقافي".

وعن هذا الأمر يوضح أكثر فيقول: "بالنظر إلى بنية النظام الإيراني وسياساته، وإلى العقوبات الاقتصادية والتوترات الدولية للنظام الإيراني الإسلامي الاستبدادي، حقيقةً لا نَعلم إلى أي مدى يشعر المهاجرون الإيرانيون بالأمن حتى يستثمروا أموالهم في إيران".

إن هذا الخبير في علم الاجتماع والباحث في القضايا الاجتماعية يشير إلى النظرية والأبحاث التي تدل على أن عالم اليوم بتحولاته الجديدة يَشهد إشكالية متزايدة في الاقتصاد والعلاقات الدولية، وأن الدول القومية فقدت قدرتها على التحكم الكامل بالاقتصاد والثقافة والسياسة داخل حدودها؛ والسبب في ذلك هو هذه الحيوية الجديدة.

في هذه النظرية يُفضي تعاونُ المهاجرين، الذين هاجروا من بلد فقير إلى دول غنية، مع بلدهم ومسقط رأسهم إلى تطوير تلك الدول وتغيير الظروف في الدول التي يقيمون فيها.

وفي الختام يشير مهرداد درويش بور إلى أن قوانين الهجرة أصبحت أصعب في معظم الدول الغنية: "إن الدول الغربية بجعلها قوانين الهجرة واستقبال اللاجئين فيها أصعب، أفقدت إمكانية ملايين الإيرانيين من الحصول على فرص الهجرة. ولو كانت هناك أبواب مفتوحة أكثر في الدول الأوروبية، فمن المحتمل أن المجتمع الإيراني كان سيَشهد في أقل من سنة موجة هجرة مليونية؛ وهذا تهديد اجتماعي له أبعاد أوسع مما نشهده الآن".

إرسال تعليق

Ad Component
تقارير

ما هو الخبر وما هي القيمة الخبرية؟

28 مارس 2022
خبرنگاری جرم نیست
٥ دقيقة للقراءة
ما هو الخبر وما هي القيمة الخبرية؟