close button
انتقل إلى إيران وير لايت؟
يبدو أنك تواجه مشكلة في تحميل المحتوى على هذه الصفحة. قم بالتبديل إلى إيران وير لايت بدلاً من ذلك.
من داخل إيران

شادي بيضائي وتعايش الأقليات في إيران، وذكريات لا تُنسى في المهجر

29 مارس 2022
Maryam Dehkordi
٦ دقيقة للقراءة
شادي بيضائي مواطنة بهائية إيرانية-أسترالية
شادي بيضائي مواطنة بهائية إيرانية-أسترالية

يُشكِّل البهائيون الأقلية الدينية غير الرسمية الأكبر في إيران. وقد حُرِّموا في العقود الأربعة الماضية من جميع حقوقهم الإنسانية وحقوق المواطَنة تقريباً؛ بدءاً من حق التعلُّم والدراسة وصولاً إلى حق امتلاك مأوًى وحق العمل.

صحيح أن حياة البهائيين الإيرانيين تستمر في ظل النظام الإيراني الإسلامي مرفَقةً بالعذاب والعنصرية المتواصلة، إلا أن لكثيرٍ منهم ذكرياتٍ حلوةً من التعايش مع الأقليات الدينية الأخرى بل حتى مع غالبية المسلمين في إيران.

"شادي بيضائي" مواطنة بهائية إيرانية-أسترالية وما تزال تتحدث بعد سنوات من الهجرة عن ذكرياتها الحلوة في إيران. كانت كاتبة ومحررة لكتب الأطفال واليافعين، ومؤخراً كتبت مجموعة إينيمشن عنوانها "مغامرات مانلي وبرديا" لأطفال الابتدائيات وأوليائهم (أو المشرفين عليهم). ودائماً ما تكتب على منصات التواصل الاجتماعي عن تجربتها من منطلق أنها كانت أقلية دينية؛ عن أفراحها وأتراحها، عن التمييز العنصري المرتكب بحقها والحنان المبذول لها، وعن أنها قد تعلمت من ذلك كله.

"ما تزال هناك ليالٍ أستيقظ فيها على ذكرى تلك المدينة. أستيقظ وأصير أفكر بشوارعها، بأناسها الذين ما يزالون هناك وأحبهم، بالأيام التي أمضيناها سويةً، وبضحكاتنا. أنظر إلى درجة الحرارة على صفحة موبايلي وأرى أن الطقس مشمس هناك، أو ماطر، أو غائم؛ أفكر بنافذة مطبخنا التي كانت تَنفتح على الزقاق. فلا يَضيق نفَسي، أما قلبي فبَلى ...".

هذا جزء من كتابات شادي بيضائي بمناسبة يوم المهاجرين العالمي. هي امرأة إيرانية مؤمنة بالدين البهائي. ورغم مساعيها في الاندماج في النسيج الاجتماعي في إيران إلا أنها اضطرت إلى الاختيار بين البقاء والهجرة، فاختارت الأخيرةَ، فهاجرت إلى مدينة بعيدة على الضفة الأخرى من الكرة الأرضية قبل أكثر من عقْد من الزمان.

تُقيم شادي بيضائي في الوقت الراهن في أستراليا مع زوجها وابنها. هي وزوجها يعملان في أستراليا. ووُلِد ابنهما فيها؛ لكن شادي ما تزال تكتب عن حيّ طفولتها متذكرةً إياه.

قبل فترة فقدت شادي والدها، وتقول إنها دائماً ما كانت وما زالت متفائلة بالعودة: "ما أزال أملك مفتاح بيتنا في إيران. أبي أعطاني المفتاح وقال إنه لك حين تعودين. كان والدي متفائلاً بعودتي، لكن بعد عدة سنوات اضطر هو أيضاً أن يلحق بنا، وأغمض عينيه على الدنيا هاهنا".

الحياة في ظل العنصرية

كان والدَا شادي بيضائي معلمَين على ملاك وزارة التربية والتعليم. وكانا يُدرّسان في المدارس الإيرانية قبل الثورة الإسلامية الإيرانية، ولدى شادي صور جميلة لهما التقطاها إلى جانب تلامذتهما وزملائهما المسلمين. وتَظهر وجوه الجميع في هذه الصور طلقةَ المحيّا ومسرورة وراضية عن الحياة. لكن مع فوز الثورة الإسلامية نُـحِّي والدَا شادي ككثير من البهائيين الآخرين عن وظيفتهما بسبب القوانين الناجمة عن الشريعة الشيعية للحكام الجدد.

هناك صورة تُظهر والدة شادي بيضائي في الصف في منطقة "إمام زاده حسن". وتعود الصورة إلى سنة 1968؛ أي قبل 11 سنة من وقوع الثورة الإسلامية الإيرانية.

وفي صورة أخرى تَظهر والدتها بوجه ضاحك إلى جانب المعلمين الآخرين؛ ويُرجَّح أن أكثر هؤلاء المعلمين كانوا مسلمين. ويَعود تاريخ التقاط الصورة إلى حوالي سنة 1971.

تقول شادي بيضائي: "كنا عائلة عادية. لم أكن عبقرية في أي مجال. كان والداي معلمَين، وقد تمت إقالتهما من الوظيفة بعد الثورة الإسلامية. ببساطة يتضح التمييز العنصري لعائلتنا في الاختلاف بين هذه الصور وما بين عانيناه في الأربعين سنة الماضية؛ إذْ لم يَعُد والدي إلى الضحك والابتسام".

هي تشير إلى صورة تَملأ فيها ضحكة والديها عرض الصورة كلَّه. كانت أمها حبلى بها ويحتفلون بعيد ميلاد أختها الكبرى. وقد التقطت الصورة قبل سنة من الثورة الإسلامية الإيرانية.

أما الصورة الأخرى فتقول شادي إنها بعد خمس سنوات من ذلك؛ حين كانت هي طفلة صغيرة سعيدة في عيد ميلاد أختها؛ لكنّ حزناً عميقاً يغطي وجه والدها، لأنه كان قد أُقِيل من التدريس والمدرسة بسبب إيمانه بالدين البهائي.

بحسب شادي فقد اضطر والدها بعد حذفه من الحياة الاجتماعية إلى العمل لسنوات طويلة سائقاً في مكتب السيارات.

جدير بالذكر أن أحد الحقوق الإنسانية الذي يُحرَّم منه البهائيون في إيران هو حق التعلم والدراسة. وكثير من الأطفال البهائيين يُحرَّمون من الدراسة حتى في السنوات الأولى، أو يتم منعهم من الحضور في الصفوف بذرائعَ واهيةٍ؛ إلا إذا لم يَكشفوا قَطُّ عن معتقداتهم الدينية.

شادي بيضائي نفسها كانت فعالة بقوة في مجال نشر كتب الأطفال، ونَشرت أكثر من ثلاثين كتاباً للأطفال في إيران؛ لكنها مُنِعت من دخول الجامعة، فتابعت دراستها الأكاديمية بعد هجرتها من إيران. تقول: "كنت تلميذة شاطرة ومجتهدة. كان باستطاعتي دخول الجامعة فتكون لي حياة مختلفة. لكنني حُرِّمت من هذا الحق لا لشيء إلا لأنني بهائية. وفي جميع السنوات الماضية صَوّت كثير من أصدقائي لأشخاص تجاهلوا في جميع برامجهم الانتخابية حقوقي الإنسانية؛ وكان هذا يُحزنني غاية الحزن".

ليست هي الوحيدة التي حُرِّمت في الأسرة من حق الدراسة: "تم فصل أختي ثلاث مرات من المدرسة بسبب كونها بهائيةً. عادت إلى البيت ثلاث مرات من دون السماح لها بالعودة إلى المدرسة. في إحدى المرات اتُّهِمت بالترويج للدين البهائي، بحيث إن موجِّهة المدرسة كانت قد سألت من منكم من الأقليات الدينية؟ فرفعت أختي يدها ظناً منها أنها تسأل للإعفاء من صلاة الجماعة. وحين سألوها أي أقلية وأجابت أختي بأنها من الأقلية البهائية، اتهموها بالترويج للدين البهائي وفصلوها".

لقد زرعوا الكراهية، لكننا حصدنا الحب

وفقاً لقوانين الدين البهائي يَحق للأطفال اختيار دينهم إذا بلغوا الـ15 عاماً. يمكنهم البقاء بهائيين على دين والديهم أو اختيار دين آخر وعقيدة أخرى؛ ولهذا السبب نجد في الأُسَر البهائية مَن يقررون أن يُصبحوا مسلمين بعد بلوغهم الـ15 عاماً.

تقول شادي بيضائي إنها ترعرعت في أسرة نصفها بهائيون ونصفها الآخر استند إلى هذه القاعدة وأصبح مسلماً. ولديها صورة تَظهر هي فيها من دون حجاب، لكن بعض أعضاء عائلتها يرتدون الإشارب والمانطو والشادر: "الأسرة الجيدة هي أن يكون لكلٍّ دينُه وطريقته في ارتداء الملابس، ولا يَزعل أحد من النهج الذي سار عليه الآخر". تعتقد شادي أن "الأسرة الجيدة هي التي تُسعِد الإنسانَ لا أنْ تُرشِدَه".

في الآن ذاته تقول شادي بيضائي إن بعض الأشخاص في العائلة نفسها كانت لديهم سلوكات عنصرية مثل سلوك التيار الحاكم، لكن سلوكاتهم لم تَكن بدرجة أن يُكدِّروا صفو الأحباء.

تتحدث هذه المواطنة الإيرانية-الأسترالية عن ذكرياتها: "إذا تحدثت عن ذكرياتي العزيزة البعيدة، فسوف ترون أن النظام الإيراني زرع بذرة الكراهية لكننا حصدنا الحب. أتذكر أنهم قبضوا علينا أنا وصاحبي في المعرض الدولي في العام 1995. فصوّرونا وحققوا معنا وأدخلوا الرعب في نفوسنا. كما حكموا على كلٍّ منا بـ10 جلدات. وفي النهاية لم تَكن معهم سيارة فأطلقوا سراح الفتيات وأخذوا معهم الفتيان ليجلدوهم. وبعد تنفيذ الحكم قال لي صاحبي إنه وجد أنني بهائية في استمارة بياناتي، وسألني ألم تخشي أن يفصلوني من الجامعة لهذا السبب؟ كان مسلماً ويَدرس الطب في جامعة طهران. فأجبته بأن ديني لا علاقة له بك. لكنني الآن حين أفكر بالقضية أرى أنه كان محقاً بأن ديني قد يَخلق له مشاكل".

رغم جميع هذه الوقائع إلا أن الحياة في طهران وزقاق "شادمان" ما تزال تَحمل لشادي بيضائي ذكرياتٍ حلوةً صنعتها مع أصدقائها وأقربائها؛ ذكريات لم تفقد رونقها في ظل الدين والمعتقدات.

كثيراً ما تكتب شادي بيضائي على حسابها في التويتر عن ذكرياتها في حيّ "نَوّاب" في طهران، وأنها كانت تُقيم في زقاق شادمان. في إحدى تغريداتها صورة لزقاق شادمان تَكتب عنها: "هذه الصورة لزقاق شادمان الذي ما أزال أسمع صوت صرخاتي هناك؛ حين كان حميد يصرخ بأن الفتيات لا يَعرفنَ أن يلعبن كرة القدم. في هذه السنة كتب لي حميد أن ابنه تزوج وصارت له عروس، وأرسل لي صورة عائلته الجميلة. منذ زمن بعيد لم أره، ولا أعرف كيف يفكر الآن بكرة قدم الفتيات".

لشادي بيضائي الآن شاب يافع يَعيش في مجتمع حرّ. تقول: "في العام الماضي قُبِل ابني في البرنامج الموسيقي كأحد المتفوقين في ولايتنا. لا أشك بقدراته ومواهبه؛ هو يعيش في ظل نظام لا يُلقي بالاً لدين والديه ولا للجوئهما؛ إنه نظام يمنح فرصاً متكافئة للأولاد، وهو ما كنا نفتقده في وطننا".

إرسال تعليق

Ad Component
من داخل إيران

سَنّ القانون بلا شعب.. الجذور الجوهرية للتملص من القانون في إيران

29 مارس 2022
بهنام قلی‌پور
٧ دقيقة للقراءة
سَنّ القانون بلا شعب.. الجذور الجوهرية للتملص من القانون في إيران