الطائرة الإيرانية المحتجَزة في الأرجنتين.. مشاكل وآفاق

منذ فترة احتجزت الحكومة الأرجنتينية طائرة بوينغ 747 لنقل البضائع تتبع لفنزويلا. يُشتبَه في أن هذه الطائرة على ارتباط بفيلق القدس، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني؛ الأمر الذي يبيّن مرة أخرى إلى أي مدى تَخلق العقوبات الأمريكية مشاكل للنظام الإيراني.

لماذا احتجزت الأرجنتين الطائرة الفنزويلية لنقل البضائع؟

إن طائرة بوينغ 747 لنقل البضائع التابعة لشركة «إمتراسور» الفنزويلية كانت متوجهة من المكسيك إلى الأرجنتين عبر فنزويلا. هذه الطائرة من طرازات بوينغ الكبرى للركاب؛ وعادة لا تُستعمَل في نقل البضائع لما تتسم به من تصميم لنقل الركاب. وبعد عدة ساعات من احتجازها في الأرجنتين، توجهت الطائرة عبر المسار المحدَّد لها مسبقاً، وطلبت من الأورغواي الإذن بالعبور، لكن الأورغواي رفضت عبور الطائرة من أجوائها، فاضطر الطيّار إلى الدوران عدة مرات في سماء الأرجنتين، ثم طلب الإذن بالهبوط فيها. إن العدد الكبير لطاقم الطائرة، والسلوك غير الطبيعي للطائرة في سماء الأرجنتين، وعدم إصدار الأورغواي الإذن لها بالعبور من أجوائها، جعل المسؤولين الأرجنتينيين يَشتبهون بالطائرة؛ وفي نهاية المطاف احتجزوها.

ما الوضع القانوني للطائرة المحتجزة؟

تتبع طائرة بوينغ 747 لشركة إمتراسور التابعة لخطوط «كونوباسا» الفنزويلية الخاضعة للعقوبات الأمريكية. وقد باعت شركة «ماهان» الإيرانية هذه الطائرة لفنزويلا. وخضعت الطائرة للعقوبات الأمريكية للمرة الأولى عام 2011، وللمرة الثانية في العام 2019.

وشركة ماهان نفسها خاضعة للعقوبات الأمريكية بسبب ارتباطها مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري. وتتهم الولاياتُ المتحدة شركةَ ماهان بأنها تستعمل طائرات الركاب المدنية في نقل العسكر والسلاح إلى دول المنطقة، من ضمنها سوريا؛ وقد أعلنت أن هذا هو السبب في فرضها العقوبات على ماهان. وفضلاً عن فرض العقوبات على خطوط ماهان بصفة عامة، فإن  مكتب ضبط الأموال الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية فرضت العقوبات على طائرات شركة ماهان طائرةً طائرة.

استأجرت شركة ماهان طائرة بوينغ 747 في أغسطس/آب 2007 من شركة طيران «بلوسكاي»، ثم قامت بشرائها بعد ذلك بأقل من سنة ونصف. وبعد مرتين من فرض العقوبات على هذه الطائرة، قامت شركة ماهان في فبراير/شباط 2022؛ أي قبل حوالي أربعة أشهر من الاحتجاز، بتسليم طائرتها البالغة من العمر 36 عاماً لشركة إمتراسور الفنزويلية؛ وهي الخاضعة بدورها للعقوبات الأمريكية.

ما علاقة الطائرة بالنظام الإيراني والحرس الثوري؟

حين تم احتجاز هذه الطائرة التابعة لشركة إمتراسور في الأرجنتين كان طاقمها بتألف من 19 شخصاً؛ من بينهم خمسة إيرانيين بمن فيهم الطيّار نفسه؛ وقد تم احتجاز جوازات سفرهم مؤقتاً لدى الحكومة الأرجنتينية. وأوضحت التحقيقات التي أجرتها الحكومة الأرجنتينية أن الطيّار قائدَ الرحلة هو «غلامرضا قاسمي»، المدير التنفيذي وعضو المجلس الإداري لشركة الطيران «فارس إير قشم».

وهذه الشركة تخضع لإدارة ملكية خطوط ماهان، وتقول الولايات المتحدة إنها تأسست بغرض الالتفاف على العقوبات المفروضة على ماهان ونقلها الأسلحة والعسكر إلى دول المنطقة؛ ولهذا السبب فهي تخضع لعقوبات الخزانة الأمريكية. وركيزة هذه العقوبات هي أن الحرس الثوري مؤسسة داعمة للإرهاب. وبعد ذلك بفترة، تم إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة «المنظمات الإرهابية الأجنبية» لدى الخارجية الأمريكية. وعليه، فإن الطائرة ومالكها في زمن بيعها لفنزويلا؛ أي ماهان، وكذلك مالكها الجديد؛ وهو شركة كونوياسا الفنزويلية، وأيضاً وجود الطيار غلامرضا قاسمي؛ المدير التنفيذي وعضو المجلس الإداري لفارس إير قشم؛ يخضعون جميعاً للعقوبات الأمريكية.

ما الذي عقّد الموضوعَ أكثر في الأرجنتين؟

أخبرت الأورغواي الأرجنتين أن قائد الرحلة عضو في فيلق القدس. كذلك فإن الطائرة والشركة المالكة لها تَخضعان للعقوبات الأمريكية؛ على أن الذي عقّد الموضوعَ أكثر هو الارتباط المحتمل بين الطيّار مع فيلق القدس ومع الجنرال «أحمد وحيدي»، وزير الداخلية الإيراني حالياً وقائد فيلق القدس سابقاً. يشار إلى أن الأرجنتين تتهم فيلق القدس وأحمد وحيدي شخصياً بتفجير المركز الثقافي لليهود «آميا» في الأرجنتين.

وقع تفجير آميا في 18 يوليو/تموز 1994. وقد راح ضحيته 85 يهودياً أرجنتينياً، وجُرِح أكثر من 300 شخص. وتَعتبر الأرجنتين أن لأعلى المسؤولين الإيرانيين يداً في هذا التفجير، وطالبت الشرطة الدولية (الإنتربول) باعتقالهم، وإرسالهم إلى الأرجنتين لتطبيق العدالة في محاكمها؛ لكن النظام الإيراني ينفي تدخله في هذا التفجير. وحالياً تزعم الأورغواي أن طيّار الطائرة المحتجزة على ارتباط مع فيلق القدس وأحمد وحيدي؛ الأمر الذي لا يُمكِن للحكومة الأرجنتينية أن تغض الطرف عنه بسهولة أمام الرأي العام.

ما الاحتمالات المطروحة حول الطائرة المحتجزة؟

إن شركة ماهان تسعى من وراء بيع طائرتها المعمِّرة والخاضعة للعقوبات لفنزويلا وكذلك استعمال الطيّار الرفيع المستوى التابع لشركة فارس إير قشم إلى تحقيق عدة دوافع؛ أولها أنها باعت طائرتها الكبيرة الجثّة غير القادرة على تعبئة الوقود في الرحلات الطويلة بسبب العقوبات الأمريكية، كما أن طيرانها في الرحلات الطويلة غير اقتصادية، والدول الأوروبية لا تسمح لها بالتحليق في أجوائها. ولا يمكن لمشتري الطائرة المعمِّرة أن يكون دولة متطورة، ومن بين الدول النامية التي لها علاقات مع أمريكا لا يمكن لواحدة منها أن تقدِّم عرضها لشراء طائرة خاضعة لعقوبات الخزانة الأمريكية.

وكانت فنزويلا مشترية جيدة للطائرة لأنها تخضع لعقوبات أمريكية على نطاق واسع. وقد قامت ماهان بتأجير طيّارها للشركة الفنزويلية لقيادة طائرتها السابقة، كما أنه تم تغيير مهام الطائرة من نقل الركاب إلى نقل البضائع.

إن لإيران التي لها علاقات مع فنزويلا دافعاً وإمكانيةً في استعمال طائرة نقل البضائع هذه من أجل نقل شحنات بعينها؛ كالسلاح مثلاً. تأسيساً على ذلك، فإن النظام الإيراني كان يظن أنه سوف يرتاح من طائرة كبيرة خاضعة للعقوبات وسوف يستعملها حسب رغباته حين تَكون تابعة لشركة فنزويلية؛ على أن خضوع الشركة الفنزويلية انتهى بهذه الطائرة إلى احتجازها، وفي حال زال الاحتجاز عنها فإنها ستخضع لحساسية كبرى من الآن فصاعداً أثناء استعمالها في أمريكا اللاتينية.

إن العقوبات الأمريكية المفروضة على كلٍّ من ماهان وفارس إير قشم وكونوياسا قد تؤدي بين الحين والآخر إلى احتجاز طائرة 747 في أجواء إحدى الدول أو على مَدارج أحد المطارات، وربما يؤدي الأمر إلى مصادرتها؛ ولا سيما إذا عرفنا أن هناك تجربةً سابقة للولايات المتحدة في زمن العقوبات وقبل إبرام الاتفاق النووي في احتجاز ثم مصادرة ثم نقل طائرة النظام الإيراني الخاضعة للعقوبات من الإمارات إلى الولايات المتحدة.