أُقيم مؤتمر صحفي في 8 ديسمبر 2021 بمناسبة يوم تأسيس المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وادعى سعيد رضا عاملي الأمين العام للمجلس أن “إيران تحتل المرتبة 92 عالمياً من حيث خروج النخبة منها”، وصرح قائلاً: “رغم أن هذا الوضع غير مقبول لكنّ هناك مبالغاتٍ كثيرةً بخصوص هجرة النخبة من البلد”.
ولكن هل تحتل إيران المرتبة 92 عالمياً في قضية هجرة النخبة منها؟ هل ثمة مبالغة في قضايا فرار العقول والأدمغة من إيران؟ في التقرير التالي، يحاول “إيران وير” الإجابة عن هذين السؤالين.
من الطبيعي أن هناك فرقاً بين الهجرة وبين فرار العقول، وليس كل مهاجر نخبةً. قد تَصدق هذه القاعدة على كثير من البلدان، لكنها قد تختلف بخصوص البلدان التي تَكون جوازات سفرها ضعيفة أو لا تعيش حرباً مسلحة، مثل إيران، ذلك أن على مواطني هذه الدول أن يتسمون بسمات خاصة حتى يتسنى لهم الحصول على الفيزا ثم الهجرة، في الواقع، مع غياب جواز سفر فعال وافتقاد ظروف الحصول على اللجوء، لا بد من امتلاك المال أو التخصص أو المهارة أو الشهرة العالمية حتى يمكن الحصول على إقامة ثم جنسية الدول المتطورة. لذلك، قبل أن نجيب عن سؤال ما هي مكانة إيران في التصنيف العالمي في فرار العقول، لا بد من إلقاء نظرة سريعة على مكانتها بين الدول المرسِلة للمهاجرين.
بحسب تقرير دائرة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، تُصنَّف إيران ضمن الدول العشرين الأولى عالمياً في إرسال المهاجرين، في 2019 كان لكل من الهند والمكسيك والصين وروسيا وسوريا وبنغلاديش وباكستان وأوكرانيا والفلبين وأفغانستان وأندونيسيا وبولندا وإنكلترا وألمانيا وكازاخستان وفلسطين ورومانيا ومصر وتركيا أكبرُ عدد من المهاجرين في دول العالم الأخرى.
الرسم البياني التالي يبيّن الدول التي أرسلت أكبر عدد من المهاجرين إلى الدول الأخرى في الـ30 سنة الأخيرة:
صحيح أن إيران لم تكن بين الدول الـ20 الأولى في إرسال المهاجرين بين 1990 و2019 لكنها لا تبتعد كثيراً عن دول هذا الجدول. ويكفي إلقاء نظرة على جدول الدول الخمسين الأولى المرسِلة للمهاجرين إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بين 1990 و2018 حتى نرى أن إيران تحتل المرتبة 24 عالمياً. والدول الـ24 الأولى هي: “الصين، الهند، رومانيا، أوكرانيا، فنزويلا، فيتنام، المكسيك، الفلبين، إيطاليا، البرازيل، بولندا، المغرب، إنكلترا، كولومبيا، سوريا، العراق، أمريكا، ألمانيا، فرنسا، أفغانستان، روسيا، باكستان، بلغاريا، إيران”.
منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، المتضمنة الدول الصناعية والمتطورة في العالم، قدّمت في أحد التقارير معلومات بشأن استقبال مهاجري الدول الأعضاء ونسبة المهاجرين المقيمين في دولها.
إن نظرة في جدول الدول الـ10 الأولى في إرسال المهاجرين إلى دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) بين عامَـي 2018 و2020، تُبيّن أن إيران تحتل المرتبة التاسعة بعد أفغانستان وسوريا وفنزويلا والعراق والسلفادور وهندوراس ونيجيريا وجواتيمالا:
غير أن اللاجئين لا يُشكّلون الجالية الإيرانية المهاجرة إلى دول هذه المنظمة وحسب، بل إن نظرة إلى جدول الدول الـ20 الأولى بنسبة أكبر عدد من المواطنين في الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) في 2019 توضِّح أن إيران تحتل المرتبة 13 بين الجاليات المقيمة في تلك الدول:
ويحتل المهاجرون الإيرانيون المرتبة 9 من بين الأجانب في كندا، المرتبة 5 في تركيا، المرتبة 10 في السويد.
هل أرقام هجرة النخبة من إيران مرتفعة؟
تفيد الأرقام أعلاه أن إيران واحدة من الدول الـ50 في إرسال المهاجرين علماً أن الإيرانيين ليس لديهم جواز سفر قوي ولا هناك حرب مسلحة في بلدهم. فالحرب وجواز السفر عاملان يُسهِّلان الهجرة. ورغم افتقاد الإيرانيين لهاتين السمتين الأساسيتين في الهجرة فإنهم يندرجون ضمن المراتب العليا للدول المرسِلة للمهاجرين؛ الأمر الذي يشير إلى أن هناك سماتٍ وأسباباً أخرى لها الدور الأساسي وراء هجرتهم، منها المال والتخصص والمهارة والشهرة العالمية؛ ومعنى ذلك أن الذين هاجروا كانوا من النخبة.
يفيد تقرير دائرة الهجرة الأمريكية أن 373 ألف إيراني مقيمين في أمريكا في 2019، وبالتالي احتلت إيران المرتبة 22 من حيث عدد المهاجرين في الولايات المتحدة. ومطالعةُ الوضع التعليمي للإيرانيين في أمريكا تُبيّن أن 9,58% منهم يحملون شهادة الليسانس الجامعية فما فوق، و18% يحملون شهادة المعهد، و16% الشهادة الثانوية العامة، و8,6% أدنى من الثانوية. هذه الإحصائيات مرتبطة بالإيرانيين الذين حصلوا على الجنسية الأمريكية. ولا تشمل هذه الإحصائية الطلاب والمشتغلين المقيمين في أمريكا عن طريق تأشيرة الدخول “الفيزا” أو “الغرين كارد”/ البطاقة الخضراء.
والجدول التالي يشير إلى الشهادة العلمية التي يحملها الإيرانيون الحاصلون على الجنسية الأمريكية. وفي هذا الجدول يحتل الإيرانيون المرتبة 12 من المهاجرين المتخرجين من أمريكا:
كما أن إلقاء نظرة على جدول البلدان الـ20 الأولى التي أرسلت الطلاب إلى الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بين سنتَـي 2013 و2019 يبيّن أن الطلاب الإيرانيين يشكلون الفئة الـ16 من بين طلاب الدول الأعضاء في هذه المنظمة:
والجدول التالي يوضّح أن الطلاب الإيرانيين هم ثالث جالية طلابية أجنبية في الجامعات الإيطالية:
ومع هذا، يَرِد في تقرير The Global Economy 2021 أن إيران تحتل المرتبة 9 بين دول منطقة الشرق الأوسط من حيث فرار العقول:
والتقرير نفسه يَضع إيران في العام 2021 في المرتبة 96 ضمن 173 بلداً؛ وهي مرتبة لا تبتعد كثيراً عن مزاعم أمين عام المجلس الأعلى للثورة الثقافية، لكن لا بد من الوقوف هنا على عدة نقاط مهمة:
1- هجرة العقول والأدمغة تقاس بحسب الموارد البشرية للدول. واحتلت إيران المرتبة 43 في العام 2019 بحسب مؤشرات نمو الموارد البشرية في العالم؛ وهذا يعني أن إيران مُصنَّفة ضمن الدول المتطورة من حيث الموارد البشرية، في حين أنها تحتل المرتبة 96 في تصنيف فرار العقول بعد الدول الفقيرة وقليلة النمو. والدول الـ87 التي قليلاً ما تشهد فرار العقول هي الدول الكثيرة النمو؛ والنتيجة أن إيران التي تحتل المرتبة 43 من حيث الموارد البشرية تُعتبَر مرتبتها 96 عالية جداً في فرار العقول والأدمغة منها.
2- السبب وراء اندراج إيران في المرتبة 96 في فرار العقول يَعود إلى عدم تقييم عدد النخبة المهاجرين قياساً إلى عدد المتخرجين الإيرانيين في مراتب عليا، في حين أننا لو نظرنا إلى قائمة أفضل 600 جامعة في العالم لا نجد أن الجامعات الإيرانية تحتل مراتب لافتة، وإذا استثنينا جامعة شريف للتكنولوجيا، وجامعة أمير كبير للتكنولوجيا، وجامعة طهران، فلن نجد جامعة إيرانية أخرى ضمن أفضل 600 جامعة في العالم.
ويُشكِّل المتخرجون في هذه الجامعات الثلاث النخبةَ الإيرانيين، وعادةً ما يهاجرون إيران بعد نيل شهادة الليسانس. كما أن تقرير Global Competitive Index للعام 2019 الذي قدّمته World Economic Forum، يبيّن أن إيران لا تتمتع بمكانة جيدة في امتلاك الطاقات المتخصصة على مستوى العالم؛ ومرتبتها هي 118 من حيث امتلاكها للكوادر الماهرة. قد تكون مرتبة إيران المتدنية ناجمة من هجرة طاقاتها وكوادرها المتخصصين:
3- ارتكازاً على تقرير WORLD MIGRATION REPORT 2020، إيران مهدَّدة بالمخاطر البشرية والطبيعية بنسبة خطر متوسط؛ ولهذا السبب يجب أن نتوقع دائماً زيادة إحصائيات المهاجرين الإيرانيين:
4- قد لا تبدو أرقام المهاجرين الإيرانيين كبيرةً، وقد يبدو مبالغاً فيه الحديثُ عن فرار العقول، لكن لو أبدينا اهتماماً بالتقارير التالية لرأينا أن المزاعم القائلة بزيادة هجرة النخبة ليس مبالَغاً فيها كثيراً:
- سنوياً يغادر إيرانَ 3 آلاف طبيب؛ يأتي هذا في وقت لا تَقبل فيه الجامعات الإيرانية سنوياً سوى خمسة آلاف طالب في كليات الطب، ولا يَكون دخول الأطباء في المجتمع الطبي الإيراني أكثر من 4 آلاف طبيب.
- سنوياً يهاجر 900 أستاذ جامعي من إيران؛
- هاجر من إيران 43% من الذين حصلوا على ميداليات الأولمبياد داخل إيران؛
- سنوياً يهاجر بين 32 و40 ألف طالب. وفي السنوات الثلاث الأخيرة عاد إلى إيران 1500 نخبة فقط.
5- الأمر الآخر المطروح في قضية هجرة النخبة في العالم هو نسبة عودة النخبة إلى بلدهم الأصل. وأحد المؤشرات الحاسمة في عودة النخبة إلى بلدهم الرئيس هو مؤشر سهولة ممارسة العمل (Doing Business) الذي يُقيِّمه البنك الدولي. وتم تقييم إيران في مؤشر ممارسة العمل برتبة 127؛ ما يشير إلى أن الظروف ليست مهيأة كثيراً أمام عودة النخبة:
وفضلاً عن ذلك لا بد من الأخذ في الاعتبار المشاكل السياسية والأزمات الأمنية وفقدان الاستقلالية القضائية بوصفها عقبات أمام عودة النخبة إلى إيران.
الخلاصة
يَزعم سعيد رضا عاملي، أمين عام المجلس الأعلى للثورة الثقافية أن “إيران تحتل المرتبة 92 من حيث هجرة النخبة منها”. وتحقيقات إيران وير تشير إلى أن هذه المرتبة قريبة من مرتبة إيران في فرار العقول الواردة في تقرير The Global Economy 2021 ، لكن هذا لا يُشكِّل الحقيقة كلها.
بحسب التقارير الدولية، تُصنَّف إيران ضمن الدول الـ50 الأولى في إرسال المهاجرين في وقت لا تتمتع فيه بجواز سفر قوي ولا تَشهد حرباً مسلحة حتى يتسنى لمواطنيها الحصول على اللجوء بسهولة، بل إن المهاجرين الإيرانيين عادةً ما استطاعوا الهجرة إلى الدول المتطورة والحصول على جنسياتها من خلال اتّسامهم بسمات واختصاصات علمية، ومن خلال مهاراتهم وشهرتهم العالمية وأموالهم.
حوالي 60% من الإيرانيين المهاجرين في أمريكا يحملون شهادات جامعية. وتَندرج إيران ضمن الدول الـ20 الأولى في إرسال الطلاب إلى الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.
يَعتبر إيران وير أن ادعاء سعيد رضا عاملي، أمين عام المجلس الأعلى للثورة الثقافية، “تصريح مضلِّل”؛ ومَرّدُّ ذلك إلى أن وقوع إيران في المرتبة 96 في التصنيف العالمي لفرار العقول الذي أعلنه The Global Economy، لا يحيل على واقع هجرة النخبة الإيرانيين؛ فهؤلاء يُقيِّمون عدد النخبة المهاجرين قياساً إلى إجمالي الطلاب والمتخرجين الإيرانيين، في حين أن عدداً يُعَدّ على الأصابع من الجامعات الإيرانية يَندرج ضمن أفضل 600 جامعة عالمية؛ أيْ إنّ عدداً لافتاً من المتخرجين في الجامعات الإيرانية التي تربّي النخبة يهاجرون من بلدهم.
ويغادر إيرانَ سنوياً 3 آلاف طبيب و900 أستاذ جامعي،و43% من التلاميذ الحاصلين على الميداليات الأولمبية داخل إيران إلى الدول المتطورة، كما يحتل مؤشر الحصول على اليد العاملة المتخصصة داخل إيران المرتبة 118 عالمياً؛ الأمر الذي ينمّ عن خلوّ البلد من الكوادر المتخصصة والماهرة.
والتضليل: حالةٌ قد تَستعمل وقائعَ بعينها في التصريحات بغرض خلق مزاعم أخرى خاطئة أو غير قابلة للإثبات.
از بخش پاسخگویی دیدن کنید
در این بخش ایران وایر میتوانید با مسوولان تماس بگیرید و کارزار خود را برای مشکلات مختلف راهاندازی کنید
إرسال تعليق