تحقق: هل معدل الانتحار في إيران نصفُ معدل الانتحار في العالم؟

نشرت وكالة إيلنا الإيرانية ما قاله “روزبه كردوني” مدير المعهد العالي لبحوث الضمان الاجتماعي، في 25 يناير/كانون الثاني 2022، أن معدل الانتحار في إيران هو نصف معدل الانتحار في العالم.

يستند كردوني في تصريحاته إلى تقرير منظمة الصحة العالمية ويقول: “إن من بين كل 100 ألف شخص إيراني يَنتحر خمسة أشخاص، وهذا المعدل هو تقريباً نصف معدل الانتحار في العالم، وهو بين 9 إلى 11 حالة وفاة ناجمة عن الانتحار من بين كل 100 ألف شخص”.

بحسب كردوني، تحتاج إيران إلى اتخاذ سياسة فاعلة للتحكم بمعدل الانتحار وتقليصه: “لكن لا بد من التأكيد على أن إيران، طبقاً للتقارير الدولية، تُصنَّف ضمن الدول التي يَكون فيها معدل الانتحار ومحاولة الانتحار متدنياً”.

هل معدل الانتحار في إيران هو نصف معدل الانتحار في العالم؟ كم هو متوسط الانتحار في العالم من بين كل 100 ألف شخص؟ كم هو معدل الانتحار في إيران؟ يسعى “إيران وير” إلى الإجابة عن هذه الأسئلة في هذا التقرير.

كم يبلغ معدل الانتحار في العالم؟

في تقريرها الصادر عام 2019 عن معدلات الانتحار في العالم أعلنت منظمة الصحة العالمية أن قرابة 703 أشخاص يموتون سنوياً إثر إقدامهم على الانتحار.

وأعلنت هذه المنظمة أن معدل الانتحار في العالم هو حوالي 9 أشخاص من بين كل 100 ألف شخص، وقَدّرت أن هذا المعدل يبلغ بين الرجال 12.6 وبين النساء 5.4.

الرسم البياني أدناه يبيّن كم هو معدل الانتحار في كل منطقة من العالم: 

وفي الرسم البياني أدناه تبيّن منظمة الصحة العالمية معدل الانتحار في دول مختلفة من العالم على أساس الدخل السنوي للفرد؛ وهو يبيّن أن معدل الانتحار في الدول كثيرة الدخْل وقليلة الدخْل أعلى من بقية الدول، وأنه أقل في الدول التي تَكون معدلات دخل أفرادها أعلى من المتوسط.

وهذه المنظمة تُصنِّف إيرانَ ضمن الدول التي تَكون معدلات دخل أفرادها أعلى من الخط المتوسط؛ أي الدول التي تَكون معدلات الانتحار فيها أقل:

كم هو متوسط الانتحار في إيران استناداً إلى الإحصائيات العالمية؟

في التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2019 الخاص بإحصائيات الانتحار في العالم، أعلنت المنظمة أن عدد حالات الانتحار في إيران لهذا العام بلغ 4 آلاف و334 حالة؛ متضمنةً 3 آلاف و206 حالات انتحار للرجال وألفاً و128 حالة انتحار بين النساء. وقالت المنظمة إن 5.2 شخص من بين كل 100 ألف شخص يلقون حتفهم جرّاء الانتحار في إيران سنوياً. وهذه الإحصائيات موجودة في الجدول التالي:

ارتكازاً على إحصائيات منظمة الصحة العالمية، يبلغ معدل الانتحار في العالم 9 أشخاص من بين كل 100 ألف شخص من عدد سكان الأرض؛ وهذا يعني أن إيران أكثر من النصف بقليل. ولذلك لا تتوافق إحصائيات المصادر الرسمية داخل إيران مع إحصائيات منظمة الصحة العالمية.

ويبيّن تقرير عام 2019 الصادر عن مركز الطب الشرعي الإيراني (بوصفه مرجعاً رسمياً في تحديد سبب موت الأشخاص) أن 5 آلاف و143 شخصاً ماتوا في هذه السنة إثر الانتحار؛ وهذا يعني أن إحصائيات المصادر الرسمية داخل إيران كانت أكثر من إحصائيات منظمة الصحة العالمية بـ 809 حالات؛ وقد يَعود سبب ذلك إلى عدم صحة الإحصائيات المقدَّمة إلى منظمة الصحة العالمية أو استناد الأخيرة إلى إحصائيات السنوات الماضية.

بناء على ذلك و بموجب إحصائيات مركز الطب الشرعي الإيراني، كان معدل الانتحار في إيران في العام 2019 يساوي 6.2؛ وهو يقترب من معدل الانتحار في منطقة شرق البحر المتوسط وأقل من المعدل العالمي بـ 30 بالمئة.

والإحصائيات الرسمية المندرجة في سنوية إحصاء 2020 الصادرة عن مركز الطب الشرعي تبيّن أن أرقام الانتحار في العام 2020 ارتفعت بما يعادل 7.8 بالمئة؛ في السنة المشار إليها مات 5 آلاف و542 شخصاً إثر الانتحار؛ منهم 3 آلاف و889 رجلاً وألف و653 امرأة.

بموجب إحصائيات 2020 كان معدل الانتحار في إيران 6.7 أشخاص من بين كل 100 ألف شخص؛ وهو أعلى من معدل منطقة شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط.

هناك قضية تحظى الإشارة إليها ببالغ الأهمية؛ وهي أن تقرير منظمة الصحة العالمية المشار إليه آنفاً يُفيد بانخفاض معدلات الانتحار في العالم في غضون الـ20 سنة الأخيرة (الخط الأصفر يبيّن أن معدل الانتحار انخفض من 14 في العام 2000 إلى 9 في العام 2019)، وأن معدلات الانتحار انخفضت في منطقة غرب البحر المتوسط المتضمنة إيران والشرق الأوسط أيضاً (الخط البني يبيّن أن معدل الانتحار في هذه المنطقة انخفض من حوالي 8 في العام 2000 إلى 6.4 في العام 2019).

الرسم البياني التالي يبيّن التغييرات التي لحقت معدلات الانتحار في مناطق مختلفة من العالم:

لكن القضية المهمة تَكمن في أن معدل الانتحار في إيران يزداد بمنحنًـى متسارع وحاد؛ بحيث وصل عدد الوفيات الناجمة عن الانتحار من 3 آلاف و306 حالات في العام 2005، ومن ألفين و997 حالة في العام 2006 إلى 5 آلاف و542 حالة في العام 2020؛ ما يعني أنه تضاعف تقريباً. وبالتالي لا يَسير معدل الانتحار في إيران وفق النموذج العالمي، وخلافاً لانخفاض معدلات الانتحار في العالم الواضحة في الرسم البياني أعلاه، فإن هذا المعدل في تزايد حاد في إيران. والرسم البياني أدناه يُبيّن هذا التزايد بوضوح؛ وبالطبع هو تزايد مُقلق ومخيف:

الخلاصة

ادعى “روزبه كردوني”، مدير المعهد العالي لبحوث الضمان الاجتماعي، في 25 يناير/كانون الثاني 2022، أن “معدل الانتحار في إيران هو نصف معدل الانتحار في العالم”. وهو بذلك يستند إلى إحصائيات 2019 الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.

وإذا نظرنا إلى إحصائيات هذه المنظمة وجدنا أن هذا الادعاء لا يختلف عن الواقع كثيراً، وإن لم يكن دقيقاً كثيراً، ذلك أن الأرقام المندرجة في تقرير المنظمة تُشير بدورها إلى أن معدل الانتحار في إيران أكثر من نصف المعدل العالمي. غير أن الأهم هو النقاط التالية:

1- الإحصائيات التي قدّمتها منظمة الصحة العالمية عن عدد ومعدل حالات الانتحار في إيران لا تتطابق مع الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مركز الطب الشرعي الإيراني، والأولى أقل من الثانية بـ 809 حالات؛ فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية إحصائيات الانتحار في إيران في العام 2019 بـ 4 آلاف و334 حالة، بمعدل 5.2 من بين كل 100 ألف حالة، لكن مركز الطب الشرعي الإيراني أعلن معدل الانتحار في العام 2019 بـ 5 آلاف و143 حالة، بمعدل 6.2 من بين كل 100 ألف حالة.

2- معدل الانتحار في العالم في 2019 كان يساوي 9 أشخاص من بين كل 100 ألف، وبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فقد سَجلت إيران أكثر من نصف المعدل العالمي للانتحار، وبحسب إحصائيات مركز الطب الشرعي الإيراني فقد سَجلت إيران أكثر من ثلثي المعدل العالمي للانتحار.

3- يُفيد تقرير منظمة الصحة العالمية أن معدل الانتحار في جميع مناطق العالم، ماعدا أمريكا، كانت في انخفاض في العشرين سنة الماضية. لكن تقرير مركز الطب الشرعي الإيراني الصادر في العام 2020 يُفيد أن معدل الانتحار في 2020 وصل، مقارنة مع 2005، إلى أقل من الضعف بقليل.

4- لا يَسير معدل الانتحار في إيران وفق النموذج العالمي، وخلافاً للعالم الذي يَشهد انخفاضاً في كل عام فإن معدل الانتحار في إيران يُسجل في كل سنة رقماً قياسياً جديداً بمنحناه الحاد والمتسارع؛ بحيث إنها سَجّلت في 2020 6.7 من بين كل 100 ألف حالة، وبالتالي سبقت معدل منطقة شرق المتوسط والشرق الأوسط بمعدل 6.4.

وعليه، يَمنح إيران وير ادعاء روزبه كردوني، مدير “المعهد العالي لبحوث الضمان الاجتماعي”، القائم على أن “معدل الانتحار في إيران هو نصف معدل الانتحار في العالم” وسام “لا حقيقة لذلك”.

لا حقيقة لذلك: رأيٌ تم إثبات عدم صحته في وقت سابق، أو تَدلُّ التحقيقات والوثائق المتوفرة على أنه كذب؛ بعبارة أخرى، هو كذب واضح وضوح الشمس.