تحقق: هل تسبب المثلية الجنسية مرض "جدري القردة"؟

نشر الزعيم الديني والسياسي العراقي مقتدى الصدر بيانًا مطولًا، ومثيرًا للانقسام، على حسابه الرسمي على تويتر يوم الاثنين في 23 مايو/أيار الفائت، ادعى من خلاله أن السلالة الحالية من جدري القرود كانت نتيجة للمثلية الجنسية.

وحث رجل الدين الشيعي، الذي حقق تياره، أي التيار الصدري، مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، المسؤولين الذين وافقوا على تشريعات مؤيدة للمثلية الجنسية ومزدوجي الميل الجنسي، ومغايري الهوية الجنسانية في العراق على "سحب هذه القوانين الجنائية في ضوء الآفات والأوبئة"، على حد قوله. 

وتابع الصدر: "يجب اتخاذ تدابير جديدة لمكافحة المثلية الجنسية، من أجل وقف انتشار وباء جدري القرود الجديد، أو ما نسميه جدري المثليين"، بحسب تعبيره.

وقد قام موقع Twitter في وقت لاحق بإزالة منشور الصدر، الذي بملايين من المؤيدين في العراق وأماكن أخرى، لكن التعليقات على المنشور أثارت هزّة في الشرق الأوسط، حيث لا يزال رهاب المثلية منتشرًا. 

وبدأ الصدر أيضًا بنشر هاشتاغ "لا للمثلية"، الذي تصدر تويتر فيما بعد، واقترح رجل الدين أن يقيم العراق "يومًا وطنيًا لمعارضة المثلية الجنسية"، في بلد يعتبر فيه هذا غير قانوني بالفعل.

ولكن، هل المثلية الجنسية هي سبب جدري القرود؟ تحاول إيران واير في هذا التقرير الإجابة على هذا السؤال.

ماذا نعرف عن جدري القرود؟

يعد جدري القرود مرضًا فيروسيًا وثيق الصلة بالجدري، وتم التعرف عليه لأول مرة في عام 1970، وعادة ما يصيب القوارض والرئيسيات في غرب ووسط إفريقيا، ولكن يمكن أن ينتقل أحيانًا إلى البشر أيضًا. 

ويمكن أن يسبب المرض الحمى، والصداع، وآلام العضلات، وتضخم الغدد الليمفاوية والإرهاق، بالإضافة إلى طفح جلدي يمكن أن يترك نتوءات حمراء صغيرة على الجلد.

وأحصت منظمة الصحة العالمية حوالي 550 حالة مؤكدة في 30 دولة منذ من 31 مايو/أيار الفائت، إلا أن المرض لم يكن مستفحلاً بالفعل، بالرغم من حدوث فاشيات متعددة في وقت واحد في أجزاء مختلفة من العالم. 

وفي الوقت الحالي، ترى منظمة الصحة العالمية أن جدري القرود يشكل "خطرًا معتدلًا" على الصحة العامة العالمية، لكنها لا تتوقع أن يتصاعد تفشي المرض إلى مستوى الجائحة.

يحدد المرض نوعان من السلالات، ويمكنه أن يقتل ما يصل إلى 10 في المائة من أولئك الذين يصابون به، منهم الأطفال والشباب الأكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة.

ويُعتقد حاليًا أن "جدري القرود" الذي ينتشر في الخارج هو البديل الأكثر اعتدالًا من ذلك المنتشر في غرب إفريقيا، والذي يقتل حوالي واحد بالمائة من المصابين. ومع ذلك ، لم يتم بعد اصدار أي بيانات مفيدة عن الوفيات الناجمة عن جدري القردة من قبل البلدان المتضررة حديثا، علماً أنه تم الإبلاغ عن تسع وفيات حتى الآن في الكونغو ، حيث يتوطن جدري القرود بالفعل.

وأثبتت لقاحات الجدري تاريخياً أنها فعالة بنسبة 85٪ في توفير المناعة ضد جدري القرود. وفي السياق، قالت شركة Bavarian Nordic الدنماركية للتكنولوجيا الحيوية، إنها تستطيع إنتاج حوالي 30 مليون جرعة من حقنة جدري القرود المعتمدة رسميًا كل عام.

كيف ينتشر جدري القرود؟

ينتقل جدري القرود إلى البشر من خلال الاتصال الوثيق مع شخص أو حيوان مصاب، ويمكن أن ينتقل بين البشر عن طريق ملامسة الجلد المتضرر، أو الآفات، أو سوائل الجسم، أو رذاذ الجهاز التنفسي، أو المواد الملوثة كالفراش والملابس.

وتنصح السلطات الصحية في البلدان المتضررة الناس بغسل أيديهم بانتظام بالماء والصابون، أو بمطهر الأيدي المحتوي على الكحول، كما كانوا يفعلون أثناء انتشار الوباء، إلى جانب تناول اللحوم المطبوخة جيدًا فقط، وعدم الاقتراب من الحيوانات البرية، أو الضالة، أو سيئة المظهر، أو الميتة، وتجنب الاتصال الوثيق مع الأشخاص الذين يعانون من مرض جدري القرود.

هل تسبب المثلية الجنسية مرض جدري القرود؟

أكدت الهيئات الصحية الرسمية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في الأسبوع الماضي، أنه تم تحديد عدد غير متناسب من الحالات التي تم اكتشافها حتى الآن من الرجال المثليين وثنائيي الجنس: حيث تم اكتشاف أربعة من أول سبع حالات في إنجلترا، على سبيل المثال، ويجري التحقيق لمعرفة ما إذا كان حدث معين أدى إلى تفشي المرض الذي أصاب المزيد من الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال.

وأكد الخبراء، في جميع أنحاء العالم، أن أي شخص يمكن أن يصاب بالفيروس من خلال الاتصال الشخصي الوثيق. 

وفي السياق، تقول منظمة الصحة العالمية: "يمكن لأي شخص أن يصاب بجدري القرود أو ينقله، بغض النظر عن ميوله الجنسية"، كما كان الحال منذ السبعينيات.

وخلصت إحدى الدراسات إلى أنه من بين 282 مريضًا في الكونغو في منتصف الثمانينيات، كان 90 في المائة من المصابين رجالًا غير مثليين، بل أطفالًا تقل أعمارهم عن 15 عامًا.

وفيما يتعلق بتفشي المرض مؤخرًا، أوضح العلماء أنه نظرًا لأن فيروس جدري القرود ينتشر بسرعة أكبر من خلال الاتصال الجنسي مثل التقبيل والجماع، فإنه بمجرد دخوله إلى مجتمع معين، فإنه سينتشر بسرعة أكبر داخل أفراد هذا المجتمع. ولكن يمكنه أن ينتشر بنفس الانسيابية في أي مجتمع.

وتم الإبلاغ مؤخراً عن العديد من الحالات التي تعود لأشخاص من جنسين مختلفين، وأطفال أصيبوا بجدري القرود. 

ومن بين الحالات السبع الأولى في إنجلترا، كان هناك ثلاثة أشخاص ليسوا رجالاً مثليين أو مخنثين، كما نقلت امرأة تبلغ من العمر 40 عامًا في بريطانيا الفيروس إلى زوجها مؤخرًا، وتم الإبلاغ عن حالة تعود لطفل في العناية المركزة. وتطرقت دراسة في عام 2017 إلى تأثير جدري القرود على النساء الحوامل المصابات بالمرض.

وهذه ليست المرة الأولى التي يلقي فيها مقتدى الصدر باللوم على "مجتمع الميم" في تفشي الأمراض، ففي عام 2020، عزا الصدر انتشر فيروس كورونا إلى "إضفاء الشرعية على زواج المثليين في الدول الغربية"، علماً بأنه لم تثبت أي دراسة علمية موثوقة في أي بلد في العالم وجود صلة بين فيروسات كورونا وسارس والعلاقات غير الجنسية.

وقال متحدث باسم جماعة إيراكوير العراقية، لموقع Middle East Eye البريطاني، هذا الأسبوع، إن تصريحات الصدر يمكن أن تشكل "خطاب كراهية" ضد "مجتمعات الميم"، علماً أنه لم يتم اكتشاف أي حالات إصابة بجدري القرود في العراق حتى الآن. 

استنتاج

قال مقتدى الصدر يوم الاثنين، في 23 مايو / أيار الفائت، إنه يجب سحب القوانين "الجنائية" التي تدعم "مجتمع الميم" في العراق في ضوء "الآفات والأوبئة"، مضيفاً: "يجب اتخاذ تدابير جديدة لمكافحة وباء جدري القرود الجديد، أو ما نسميه جدري المثليين جنسيا ".

تم الكشف عن عدد غير متناسب من الحالات الجديدة من جدري القرود بين الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال. ومع ذلك، فإن منظمة الصحة العالمية، والخبراء، والسجلات المتاحة للحالات المكتشفة تظهر جميعًا أن أي شخص يمكن أن يصاب بالمرض، وقد أصيبت به مجموعات أخرى غير المثليين وثنائيي الجنس من الرجال بأعداد أكبر في العقود القليلة الماضية، لذلك، يمنح "إيران وير" تصريح الصدر شارة "غير صحيح".

غير صحيح: بيان كاذب حول حدث معين حديث أو شيء لم يتم إثباته من قبل، وليس مدعوماً بالحقائق والأدلة.