close button
انتقل إلى إيران وير لايت؟
يبدو أنك تواجه مشكلة في تحميل المحتوى على هذه الصفحة. قم بالتبديل إلى إيران وير لايت بدلاً من ذلك.
تقارير

كيف تخلت روسيا عن إيران وتركتها وحيدةً في تقسيم بحر قزوين؟

26 نوفمبر 2021
٧ دقيقة للقراءة
مصدر الصورة:إيران وير بالفارسي
مصدر الصورة:إيران وير بالفارسي

فرامرز داور – إيران وير 

يتناول موقع “إيران وير” العلاقة بين إيران وروسيا، في سلسلة تقارير، ويتطرق في هذه المادة إلى الإجابة عن قضية دور روسيا في عملية تقسيم بحر قزوين، وكيف ستؤثّر مقاربتها في خريطة إيران الحديثة وحدودها المائية في المستقبل؟

روسيا وإيران هما البلدان الساحليان على بحر قزوين (الذي كان مشتركاً بينهما على نحو احتكاري إلى ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي)، وكانت للبلدين لمدة عشر سنوات سياسةٌ مشتركة بخصوص تقسيم هذا البحر إزاء كلٍّ من كازاخستان وتركمنستان وجمهورية أذربيجان، إلى أن انتهجت روسيا فجأة منهجاً يتماشى مع الدول الأخرى متخليةً عن إيران تاركةً إياها وحيدة في مسألة تقسيم بحر قزوين، فبدأت روسيا بتقسيم مناطق مختلفة من بحر قزوين مع جيرانها ووضعت إيرانَ، التي كانت تطالب “بتقسيم عادل للبحر”، أمام الأمر الواقع.

إبّانَ تطبيق الاتفاق النووي الإيراني، أجبرت روسيا إيرانَ على قبول معاهدة الوضع القانوني لبحر قزوين، وقبل ذلك أرسلت بوارجها إلى مناطق قريبة من المياه الإيرانية؛ حيث قامت من هناك ولأول مرة في تاريخ بحر قزوين بحملات صاروخية ضد دولة ثالثة هي سوريا، وفي الأسابيع الأخيرة زاد الروس من ضغوطهم على البرلمان الإيراني لإقرار هذه المعاهدة.

اتفقت جمهوريات الاتحاد السوفياتي على تشكيل كومنولث الدول المستقلة وزال وجود اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، وذلك في 8 ديسمبر/كانون الأول 1991، في أعقاب اتفاق في مينسك، عاصمة بيلاروسيا.

وفي 25 ديسمبر 1991، أطلع الرئيس الروسي، بوصف روسيا استمراراً للاتحاد السوفياتي، الأمينَ العام للأمم المتحدة أنه لم يَعُد شيء اسمه اتحاد الجماهير السوفياتية.

يشار إلى أن الجمهوريات السوفياتية وقّعت في كييف، عاصمة أوكرانيا، قبل انهيارها الرسمي على اتفاق يَقضي التزامها بالتعهدات الدولية وقدّمت روسيا بصفة الوريث للجمهورية الاشتراكية، وهذه الاتفاقات في بحر قزوين كانت ترتبط باتفاقَين بين إيران والاتحاد السوفياتي، أحدُهما كان يُسمّي بحر قزوين (البحر المشترك) بين البلدين، والآخر يعترف رسمياً بحقوق الملاحة البحرية الإيرانية.

ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، فجأة صار للبحر المشترك بين إيران والاتحاد السوفياتي ثلاث دول مجاورة أخرى، الأمر الذي نجم من انهيار الجمهورية الاشتراكية، جمهورية أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، هذه الدول الثلاث المستقلة حديثاً، شركاءَ جدد لكلٍّ من روسيا وإيران، سَرعان ما اعترفت إيران باستقلال الجمهوريات المستقلة حديثاً، لكنْ تـمّ إرجاء المفاوضات المتعلقة بتقسيم بحر قزوين إلى أواخر عهد الرئيس الإيراني “أكبر رفسنجاني”.

كان لجيران روسيا وإيران الجدد في بحر قزوين، وجمهورية أذربيجان على الخصوص، تاريخٌ طويل في استثمار موارد الطاقة في هذا البحر، كما أن كازاخستان، التي تمتلك احتياطات واسعة للطاقة في بحر قزوين، كانت تسعى سعياً حثيثاً إلى التسريع ما أمكن في استثمار هذه الموارد، وعلى عكس المياه الإيرانية فإن المياه في المناطق الشمالية من بحر قزوين قليلة العمق، ولهذا السبب فإن استثمار موارد قعر بحر قزوين في المناطق الشمالية يكون أرخص وأقل تكلفة اقتصادياً.

أما شرط استثمار موارد قعر بحر قزوين وبالطبع موارده الحية، كالسمك، فمنوط بتحديد حصة الدول من هذا البحر، كان النظام الإيراني وروسيا قد اتفقا في السنوات الأولى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي على تقسيم بحر قزوين بين خمس دول ساحلية، وكانت مبادرة إيران قائمةً على تقسيم عادل للبحر، وتأسيساً على ذلك طالبت بحصتها البالغة 20% من قعر البحر وعمق المياه وسطح البحر، ودعمت روسيا هذه المبادرة لسنوات طويلة وكانت لها سياسات مشابهة لإيران.

بموجب اتفاق آخر وقّعت عليه كلٌّ من إيران وروسيا وجمهورية أذربيجان وتركمنستان وكازاخستان، تَقرّر أن يبقى أولاً بحرُ قزوين بحراً مدنياً وألا يُسمَح لأي دولة ساحلية بإدخال سفنها إليه، وثانياً أن يكون كل اتفاق في البحر مرهوناً بموافقة جميع الدول الساحلية، أي إذا عارضت إحدى الدول قضيةً ما ألا تقومَ الدول الساحلية الأخرى على نحو اعتباطي بالقيام باتفاق في ما بينها من دون حضور الدولة المعارضة.

حازت الاتفاقات الأساسية بين إيران وروسيا أهمية من حيث إنهما تُعتبران البلدين التاريخيَّين لبحر قزوين، وإن قراراتهما كانت تؤثر في سياسات الدول الأخرى، في أواخر تسعينيات القرن المنصرم، وجهت جمهورية أذربيجان الدعوة إلى شركات نفطية أجنبية فأدخلت الأخيرةُ سفناً استكشافية أجنبية إلى بحر قزوين وإلى مناطق تَزعم إيران أنها تخصها، وفي خطوة نادرة، قام النظام الإيراني بإجراء نادر في تاريخ إيران في بحر قزوين، فأرسل قواته العسكرية إلى حيث كانت تلك السفن الاستكشافية، مُوجِّهةً إليها تحذيرات عسكرية، فتركت السفنُ بحر قزوين، وتوقفت الأنشطة الاستكشافية في المناطق المتنازَع عليها.

ودعماً للسياسة المشتركة التي كانت بين إيران وروسيا، أرسلت الأخيرةُ رسالة إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة مُحذِّرةً جمهوريةَ أذربيجان تحذيراً غير مسبوق، معلنةً أنه في حال تم تكرار مثل هذه الخطوات التي تشكل خروجاً على الاتفاق المبرَم فإن روسيا لا تَستبعد التوسل بالقوات العسكرية لردع جمهورية أذربيجان، وتم تسليم هذه الرسالة إلى الجمعية العمومية موقَّعةً بتوقيع المندوب الروسي في مقر الأمم المتحدة، وكان سيرغي لافروف حينها، ولاحقاً أمسى لافروف وزيراً للخارجية الروسية.

في هذه الرسالة الموجَّهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 1994، انتقد لافروف الخطواتِ الأحاديةَ الجانب من الدول الساحلية الشريكة في إبرام الاتفاقات التي وُقِّعت بشكل أحادي بين إيران والاتحاد السوفياتي بوصفها الوضعَ القانوني لبحر قزوين، واصفاً هذه الاتفاقات بأنها لا أساس لها وهي مخالفة للمبادئ القانونية، وقال إن بحر قزوين بحاجة إلى وضع قانوني جديد ينبغي الوصول إليه بموافقة جميع الدول الساحلية.

كما أن السفير الروسي في طهران بقي يصف اتفاقاتِ العهد السوفياتي معتبَرةً حتى صيف 2001 على الأقل، لكن سياسة روسيا في بحر قزوين تغيرت فجأةً بدءاً من هذه المرحلة، فابتعدت عن النظام الإيراني، في البداية، تراجعت روسيا عن مبادرة تقسيم بحر قزوين التي كان النظام الإيراني يَدعمها، وقدّمت مبادرة جديدة أساسُها تقسيمُ جزء من البحر، أي قعر البحر وكذلك الاستثمار المشترك لسطح البحر.

وانطلاقاً من تفوق روسيا على الدول الساحلية الأربع الأخرى، بما فيها إيران، في النقل البحري والملاحة البحرية، الأمر الذي يزيد من حصتها في استثمار سطح البحر وبالتالي تتحكم في مستوى أكبر من سطح البحر.

الخطوة الروسية الثانية التي خلّفت للنظام الإيراني تداعياتٍ أسوأَ من تغيير سياستها الأولى تمثّلت في تقسيم البحر وتعيين الحدود بشكل ثنائي بين الدول الساحلية؛ بحيث قامت روسيا بتعيين حدودها مع كازاخستان وجمهورية أذربيجان، ثم تمّ إبرام اتفاقية ثلاثية بين هذه الدول الثلاث.

بينما بقي النظام الإيراني يحتج على الدوام على هذه الاتفاقية المعارِضة لاتفاق كان يَقضي بأن أي خطوة يتم الإقدامُ عليها في بحر قزوين لا بدّ أن تَكون بموافقة تامة من قِبَل الدول الخمس، لكن روسيا كانت تَدعم الاتفاق وتدافع عنه، وهكذا لم تَكن تَنقض مضمون رسالة لافروف الموجهة للجمعية العمومية وحسب بل حتى إنها تنكّرت للاتفاق الخماسي مع دول بحر قزوين الساحلية، وفي أول قمّة جمعت قادة هذه الدول الساحلية التي انعقدت في عشق آباد، عاصمة تركمانستان، كانت روسيا قد ابتعدت عن اتفاقاتها مع إيران ابتعاداً كبيراً، الأمر الذي دفع بالرئيس الإيراني محمد خاتمي حينها إلى الانسحاب من القمة احتجاجاً بذريعة أن ظهره يؤلمه.

مع استمرار الانقسامات حول طريقة تقسيم البحر، قدّمت إيران مبادرة حول تقسيم البيئة في بحر قزوين. وبينما امتنع النظام الإيراني وكذلك تركمانستان وجمهورية أذربيجان عن تعيين حدود الدول في بحر قزوين بسبب الاختلافات القانونية والسياسية إلى حين الوصول إلى الوضع القانوني بشأن الاتفاق مع جميع الدول، فإن إيران اضطرت في عهد حسن روحاني تحت ضغوط روسيا إلى التوقيع على “معاهدة الوضع القانوني في بحر قزوين”.

في القمة التي جمعت قادة دول بحر قزوين الساحلية في كازاخستان في صيف 2018، وقّع رؤساء الدول الخمس وثيقةَ المعاهدة الآنفة الذكر. 

وفي سبيل حثّ روسيا الدولَ الأخرى على اتخاذ خطوة مماثلة وممارَسة مزيد من الضغوط السياسية، فإنها كانت قد أقرّت هذه المعاهدة في مجلس الدوما، البرلمان الروسي، وأعلن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” أن نصّ المعاهدة يُعتبَر من القوانين الروسية المحلية.

هذه المعاهدة لا تُقسِّم بحر قزوين بين الدول الساحلية، لكن فيها ركائزَ تَتكهّن بطريقة هذا التقسيم وفقاً للسياسة الروسية؛ حيث يتم تقسيم قعر البحر بين الدول الساحلية، ويبقى مستوى سطح البحر على حاله، ويتم استثمار جزء كبير من البحر في صيد السمك على نحو مشترك، لكن تطبيق هذه الطريقة أُرجِئ إلى وقت تعيين خط البداية للدول.

خط البداية خط افتراضي يتمّ اعتبارُ ما خلفه مياهاً داخلية للدول، ثم تأتي بعدها المياه الإقليمية بطول 15 ميلاً بحرياً من خط البداية، تَكون مثل أراضي ويابسة الدول، أيْ لا تَعود للدول الأخرى أيُّ صلاحية فيها، وبعد هذا، تأتي المنطقة الاحتكارية لصيد السمك التي يبلغ طولها 10 أميال بحرية، ولا يُسمَح للصيد فيها إلا للدولة الساحلية. وبعد هذه المنطقة لا بدّ من تقسيم قعر بحر قزوين بين الدول الساحلية. وإلى الزمن الذي لم يتمّ فيه تعيين خط البداية، لا يمكن تقسيم البحر بين روسيا وإيران وكازاخستان وتركمانستان وجمهورية أذربيجان.

زار سيرغي لافروف طهران في أواخر عهد إدارة حسن روحاني، وطلب من النظام الإيراني بالإسراع في إقرار معاهدة بحر قزوين في البرلمان الإيراني، ذلك أن هذه المعاهدة لا تَكون لازمةَ التطبيق إذا لم يتم إقرارها في البرلمان، وأن هذا الموضوع يؤدي إلى تفاقم خطر الاستثمار في بحر قزوين والاستكشاف فيه والاستفادة من موارده، وخلافاً لمثل هذه الحساسيات فإن النظام الإيراني لا يُقدّم أي تقرير عن مفاوضاته غير العلنية حول خط البداية في بحر قزوين.

ها قد مرّت ثلاثون سنة على انهيار الاتحاد السوفياتي، ونرى أن تصرف روسيا مع إيران حيال هذا البحر تغيّر تغيراً ملموساً، وأنها دخلت مرحلة تعيين الحدود خلافاً للاتفاقيات الخماسية ورغم احتجاج إيران على ذلك حتى إن روسيا نقضت شرط الحفاظ على بحر قزوين بحراً مدنياً، واستعملت المناطق الجنوبية من البحر، قرب المياه الإيرانية، في استهداف مواقع في سوريا بصواريخ كروز، وبهذا تَكون موسكو قد انتهكت اتفاقها ليس فقط مع إيران بل مع الدول الساحلية الأخرى أيضاً.

ومتى ما أقرّتِ الجمهورية الإيرانية المعاهدة في البرلمان الإيراني؛ أي حين توافق على خط البداية أيضاً، فسيكون ذلك بمنزلة تغيير الحدود السياسية لإيران. وهذا التغيير في الحدود سوف يَحدث لأول مرة في عهد الجمهورية الإسلامية.

إرسال تعليق

Ad Component
تقارير

ما هي أضرار العراق من أزمة المياه مع إيران؟

26 نوفمبر 2021
محمود الشمري
٤ دقيقة للقراءة
ما هي أضرار العراق من أزمة المياه مع إيران؟