close button
انتقل إلى إيران وير لايت؟
يبدو أنك تواجه مشكلة في تحميل المحتوى على هذه الصفحة. قم بالتبديل إلى إيران وير لايت بدلاً من ذلك.
تقارير

حوار مع خبيرة في علم الاجتماع البشري عن خطاب الكراهية للنظام الإيراني 

26 يناير 2022
٨ دقيقة للقراءة
شاديار عمراني. مصدر الصورة: إيران وير فارسي
شاديار عمراني. مصدر الصورة: إيران وير فارسي

مريم دهكردي – إيران وير 

أدى خطاب الكراهية ضد اليهودية الذي يمارسه نظام الجمهورية الإيرانية منذ أكثر من أربعين عاماً إلى انخفاض عدد اليهود في إيران من أكثر من 65 ألف نسمة في العام 1956 إلى أقل من 20 ألفاً في الوقت الحالي. وهؤلاء يهود اضطروا إلى ترك وطنهم ومنازلهم لا لشيء إلا لأن الحكّام طوال التاريخ ولا سيما بعد الثورة الإسلامية في 1979 يَظنون بهم الظنون.

أنتجت المؤسسات التابعة للحكومة والتلفزيون الرسمي الإيراني ووكالات الأنباء ووسائل الإعلام المرتبطة بالنظام، آلاف المضامين السمعية والبصرية التي تروّج لخطاب الكراهية ضد اليهود. ناهيك عن المقالات والأفلام والمسلسلات والقصص المبنية على أساس الجدل التاريخي بين الإسلام واليهود ومشكلة إيران مع إسرائيل؛ وكل ذلك يُلحِق الأذى باليهود. وقد نشر “إيران وير” تقريراً تحقيقياً طويلاً عنوانه “خطاب الكراهية ضد اليهود في الجمهورية الإسلامية؛ 40 سنة من الأذى والإنكار”؛ وفيه يتم التطرق إلى مضامين خطاب الكراهية ضد اليهود المنتَجة وإلى جذور الكراهية في نظام الجمهورية الإسلامية.

وفي التقرير التالي نقرأ حواراً مع “شاديار عمراني” الإعلامية والخبيرة في علم الاجتماع البشري، حول خطاب الكراهية ضد اليهود في الجمهورية الإيرانية.

تَتلخص حياة المواطنين اليهود الإيرانيين في العقود الأربعة الأخيرة في القضايا السياسية المتعلقة بـ “إسرائيل” و“الهولوكوست”، وكذلك في القضية الدينية “الإسلام-اليهود”، فما هي تداعيات هذا الموضوع على اليهود؟

تجيب شاديار عمراني عن هذا السؤال فتقول: “الجواب الصريح والسريع عن هذا السؤال قصير؛ وهو أن اليهود يُصبحون في السرّ وفي العلن ضحايا هذه السياسات المناهضة لليهود. ولا يمكننا إنكار هذا الواقع، وربما يمكنني أن أزعم بجرأة تامة أنه يُشكّل القضية الرئيسة والمتجذرة والمستمرة لليهود. لكن هناك جذوراً عميقة تَربط اليهودية، سواءٌ بمعناها القومي أم بمماثلة هذه الديانة مع الحكومات الإسرائيلية، وبالتالي جعلها جميعاً في سلّة واحدة، ثم الخطاب الذي يَنتهجه النظام الإيراني؛ وهذه الجذور هي التي تسقي وجودَ هذا النظام”.

تَعتقد شاديار عمراني أن “كل نظام يَسعى إلى الحصول على الشرعية الدولية، أي لكي تُرحِّب به الدول الأخرى، فهو بحاجة إلى شيئين متزامنين: الأول الشرعية الداخلية، والثاني العدو الخارجي. ولا علاقة لهذين الأمرين بنوع الحكم؛ فحتى الأنظمة الدكتاتورية وذات الحزب الواحد أو الأنظمة الـمَلكية حين تريد أن يتم الاعتراف بها دولياً، عليها إثبات أنها تمثّل الشعب الذي تَحكمه. من هنا، يحافظ نظام دكتاتوري مثل النظام الإيراني على صندوق الانتخابات بأي شكل كان؛ سواءٌ عن طريق التزوير أو هندستها مسبقاً أو عن طريق البروباغندا أو التطميع أو إجراء انتخابات شكلية. كما أنه يحتاج دائماً إلى عدو خارجي ليُثبت وجودَه بوصفه حافظاً لحدود البلاد؛ فالآخر هو الضامن لسيادته وبسطها على جميع أراضي البلد. وجميع الدول، بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين وروسيا والسعودية وتركيا وإسرائيل وأي دولة أخرى، وبغض النظر عن نوع الحكم فيها، ديمقراطيةً كانت أم دكتاتورية، فهي دائماً بحاجة إلى هذا العدو الخارجي. ولهذا السبب، يتم ضمان وجود النظام الإيراني الإسلامي بوجود أعدائه سواءٌ في المنطقة أم في الغرب. وإذا استطاع أن يماثِل هذا العدوَّ الخارجي مع فئة داخل إيران فهو يَأمن على نفسه حيال شرعيته المتزلزلة في الداخل أيضاً”.

ترى شاديار أن النظام الإيراني طبّق منذ بدايته منهج المماثلة بين أعدائه الخارجيين وبين مجموعات داخل البلد كالنشطاء السياسيين ثم من خلال الإبادة الجماعية في ثمانينيات القرن المنصرم. ليس هذا وحسب بل إنه اتخذ هذا النهج بشكل واعٍ في التعامل مع القوميات المختلفة أيضاً: “إذا لم يكن العرب مناصرين للنظام يتم وصفهم بمرتزقة السعودية؛ وكذلك الحال مع الأكراد، وبالطبع مع اليهود، حيث يُمكِن للنظام بسهولة ربطهم بعدوه الرئيس في المنطقة، وإذا لزِم الأمر يَقوم بتسويغ قمعهم في أي مستوًى كان”.

يعتقد البعض أن الأنظمة الشيعية كانت تشكّ وترتاب باليهود سياسياً وتاريخياً. لكن شاديار عمراني تقول إن موضوع الارتياب لدى “النظام الشيعي” باليهود ليس صحيحاً ودقيقاً كثيراً: “حين نتحدث عن النظام الشيعي أو الإسلام السياسي الشيعي فإننا نتحدث بالتحديد عن نظامَين في التاريخ ربطَا رسمياً الشيعية بسياستهم في نظام الحكم: الصفوية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهذا لا يعني أن الحكّام الآخرين كآل بويه أو القاجاريين أو البهلويين لم يكونوا شيعة أو أنهم لم يُطبِّقوا ثقافة التشيع في سياساتهم وقوانينهم وأحكامهم الشيعية، لكن حكوماتهم لم تكن تُعَدّ حكومات مذهبية-سياسية. وكان تعامل وسلوك هذين النظامَين السياسيَّين الشيعيَّين مع اليهود متبايناً”.

تُشير شاديار عمراني إلى سياسات الصفويين في التعامل مع اليهود وتقول: “في أوائل العصر الصفوي، كانت الحكومة تَستقبل بصدر رحب استثمارَ القوميات والمذاهب الأخرى وكذلك للوقوف في وجه العثمانيين الذين كانوا يَقمعون ويقتلون ويُشرِّدون الشعوبَ غيرَ السنّة. وكثير من معابد اليهود وكذلك حي ‘جي’ اليهودي في أصفهان بقيت مزدهرة في أوائل العصر الصفوي. وكان لمحو القيمة الاجتماعية لليهود بعد الشاه عباس الأول الصفوي سبب مختلف عما يَقوم به اليومَ نظام الجمهورية بكل قواه في معارضة اليهود سواءٌ في خطابه الرسمي أم في البروباغندا الإعلامية أم في سياساته العسكرية. في الحقيقة، تختلف طريقة التعامل للتشيع مع شعبويته المذهبية ورفع لواء حركة المستضعفين كلما كانت له منفعة في الائتلاف مع المذاهب الأخرى”.

أما النتاجات المناوئة لليهود في وسائل الإعلام الإيرانية وكذلك المقالات والدراسات المنشورة في بعض المؤسسات فتقوم بوصف اليهودية على أنها صيغة أخرى للبهائية؛ ومردُّ ذلك إلى وجود مزارات البهائيين المقدسة في إسرائيل؛ منها مزار “بهاء الله” و“محمد باب” وكذلك المركز الرئيس للبهائيين هناك. وتعتقد السيدة عمراني أن لهذه المقارنة جذوراً أكثر عمقاً: “علينا ألا ننسى أنه ليس في إيران أي وسيلة إعلامية مستقلة عن النظام الحاكم؛ وهذا يشمل حتى الصحف والمجلات التي يَكون لأصحابها رخصة العمل ولا يَكونون من أصحاب المناصب. فوسائل الإعلام هي عموماً أجهزة البروباغندا للنظام. وبالطبع لا يعني هذا أن كل من يُزاول الصحافة في تلك الأجواء ليس مستقلاً، لكن يمكِن له العمل والكتابة في وسائل الإعلام تلك إذا لم يَنطق بكلمة تتعارض مع سياسات النظام. ونحن نَشهد نضال الإعلاميين الشرفاء بلا كلل أو ملل ممن لا يسكتون، وفي المقابل يَكون نصيبهم السجن والمنفى”.

تُشير هذه الباحثة إلى “الغياب المؤلم للمنظمات الشعبية المستقلة، والجو المفتوح لإظهار المعتقد، وغياب حرية الرأي، وإنتاج القضايا الثقافية المستقلة في إيران”. ثم تُضيف قائلةً: “يقوم النظام بقمع كل إمكانية لإيجاد مثل هذه النشاطات الاجتماعية، ويَجعل من إعلامه مهيمناً. وما يبقى لنا نحن الباحثين هو مستوى المشاركة الشعبية في المشاريع الحكومية، كالمشاركة في صناديق اقتراع الانتخابات، أو إرسال الكوادر إلى جبهات فيلق القدس العابرة للحدود الإيرانية، أو الانتماء الفعّال في المؤسسات الإيديولوجية للنظام تحديداً، مثل الباسيج وغيره؛ ذلك أننا نرى أن الحضور فيها يتقلّص يوماً بعد يوم. ولا ينبغي أن ننسى أن خطاب الكراهية ضد اليهود في إيران لم يبدأ مع تشكيل دولة إسرائيل ولا بتسلُّم الجمهورية الإسلامية مقاليدَ السلطة. وتوقعاتي المتفائلة هي أن المقاومة الشعبية ضد النظام الإيراني تَسير بالشعب نحو معارضة كل ما يقول النظام، وانطلاقاً من ردة الفعل هذه سيحدث أمر مبارَك؛ وهو إنهاء خطاب الكراهية المناوئ لليهود حتى لو كان في يوم من الأيام قليلاً أو كثيراً”.

منذ تسعينيات القرن العشرين فصاعداً بدأ الملالي المتشددون وداعمو النظام الإيراني بالعودة بالارتياب باليهود إلى ما قبل الإسلام، وتم طرح قصة يوم الطبيعة المصادف لليوم الثالث عشر في التقويم الإيراني الشمسي، ومهرجان البوريم لدى اليهود.

لكن شاديار عمراني تقول إن الدرسات التي تناولت بالتفصيل هذه القضية تُخبرنا أنه لا علاقة بين هذين العيدين: “لا يتربط يوم الطبيعة ومهرجان البوريم ببعضهما أي ارتباط تاريخي. صحيح أن اليهود كانوا يتعرضون في العصر الإخميني أيضاً لبعض المضايقات على يد قسم من المجتمع لكن قضيتهم لم تكن قضية معاداة اليهود بل كانوا ضحايا لمعاداة الآخَر”.

كما تؤكد شاديار على عدم وجود أي شاهد أو علامة على قيام اليهود بارتكاب الإبادة الجماعية ضد الإيرانيين. ولهذه الذريعة جذور سياسية واقتصادية: “أما أن يحاول النظام الإيراني أن يَتوسّل بالجذور التاريخية لإيران كلما أراد فهي عبارة منقوصة. والنظام الإيراني يرمي إلى خطاب خلق الآخر لتسويغ سياساته القمعية. من هنا، فهو يَنبش في التاريخ الإيراني عندما يبتغي العثور على قراءة عنصرية ليُعيد إنتاجها إنتاجاً عدائياً ويَجعله خاصاً به. وهو لا يتوانى عن تحريف التاريخ في هذه القضية. على سبيل المثال كان فريق الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، وعلى الخصوص فريق إسفنديار رحيم مشّائي، يُحسنون ركوب هذه الموجة لمصادرة الخطاب لصالحهم”.

لكن ما أهمية تناوُل الإبادات الجماعية وتاريخ القوميات الضحية؟ هل هي ذكر المصيبة؟ هل هي ذريعة للانتقام؟

تُجيب شاديار عمراني عن هذه الأسئلة بقولها: “حين تَقع الإبادة الجماعية؛ أيْ حين يُقتَل أشخاص (بغض النظر عن عددهم وسبب قتلهم) بسبب مذهبهم أو طريقة تفكيرهم أو ثقافتهم أو عرقهم أو لغتهم أو قوميتهم أو جنسيتهم أو شكل أعضائهم أو شكلهم الجسماني، فهذا يعني أن حادثة أكبر من الموت قد وَقعت؛ وهي إزالة الإنسانية من أشخاص يتمتعون بتلك الصفات المذكورة أعلاه. ما معناه أن فئة من المجتمع تُعتبَر حقيرةً إلى درجةٍ لا يحق لهم أن يبقَوا أحياء، ويُصبح وجودهم بلا قيمة؛ وهذا يعني موت المجتمع. وضحايا تلك الإبادة الجماعية لا يكونون القتلى وعوائلهم وحسب بل الأجيال بعدهم وجميع البشر الذين يتمتعون بصفات هؤلاء القتلى. وبالتالي، تَكون حتميةً احتماليةُ ارتكاب الإبادات الجماعية اللاحقة أو ممارسة التمييز العنصري اللاإنساني الممنهج ضد تلك الفئات. لهذا السبب، فإن التطرق إلى الإبادات الجماعية والمطالبة بحقوق ضحاياها وعوائلهم ليس مقتصراً على حالة واحدة بل لا بد أن يكون حركة حية وحاضرة ومتواصلة، وهي مهام كل عضو واعٍ في المجتمع وكل فئة وكيان سياسي راقي”.

ترى هذه الباحثة والخبيرة أن العنصرية تُمارَس في ظل نظام ممنهج جداً مع ما له من امتداد عنصري عالمي تُعتبَر فيه الفئات الدينية والقومية وسياسات الحكومات واحدةً؛ بمعنى أن الشرق الأوسطي يُساوي المسلم، والمسلم يساوي العربي، والعربي يساوي الإرهابي؛ وهذا سبب كافٍ لسياسات الأنظمة العنصرية في قمع الفئات الاجتماعية غير المرتبطة أصلاً بالإرهاب: “من ناحية أخرى، الأجواء مغلقة في وجه انتقاد سياسات الحكومات أو المنظمات أو الأديان أو جزء من العوارض الثقافية، وكل نقد أو رأي يُقابَل بفكرة الإسلاموفوبيا وعداء الإسلام. كما أن الازدواجية سائدة عن اليهود واليهودية وإسرائيل. إن وضع اليهود في كفّة واحدة مع اليهودية، أو اليهودية مع إسرائيل، أو إسرائيل مع الصهيونية، أو الصهيونية مع سياسات دولة بعينها، هو سيف ذو حدَّين؛ أولهما إذكاء نار معاداة  اليهود، وثانيهما إغلاق الأجواء أمام نقد سياسات الحكومات الإسرائيلية؛ وكأن جميع اليهود المواطنين في إسرائيل وجميع المواطنين الإسرائيليين مؤيدون لسياسات جميع حكوماتهم. لهذا السبب، يُساعد الحديث عن جريمة الهولوكوست والتطرق إلى هذا الحق الطبيعي في خلق أجواء لا يستطيع فيها أي نظام أو حكومة أو نزعة عنصرية الحصول على ذريعة في ارتكاب إبادة جماعية أو ممارسة العنصرية الممنهجة أو سلب حق الحياة من الآخرين. هذا ليس اختياراً إعلامياً بل هو واجب إنساني”.

إرسال تعليق

Ad Component
تقارير

الصورة النمطية لليهود في الإعلام المرئي الإيراني

26 يناير 2022
٩ دقيقة للقراءة
الصورة النمطية لليهود في الإعلام المرئي الإيراني