في ظل الحضور الروسي.. القصف الإيراني لأربيل، والاتفاق النووي، والمفاوضات الإيرانية السعودية

إحسان مهرابي-إيران وير

كان بإمكان كل حدثٍ من أحداث الأسبوعين الأخيرين أنْ يُشغِل الأجواء السياسية الإيرانية لفترات طويلة؛ لكن هذا الوابل من الأحداث لم يلقَ من الأصداء السابقة في ظل الهجوم الروسي على أوكرانيا.

في أوائل الأسبوع الماضي قُتِل ضابطان إيرانيان برتبة عقيد في القصف الإسرائيلي على مواقع إيرانية في سوريا، ثم جاء نبأ احتجاز أمريكا لحاملتَـي نفط إيرانيتين. وفي نهاية الأسبوع تم الإعلان عن تعليق مفاوضات فيينا بسبب المطالب الروسية من الولايات المتحدة الأمريكية.

يوم السبت أعلن رئيس الوزراء العراقي عن الجولة الخامسة من المفاوضات الإيرانية السعودية في بغداد، وبعد ذلك بساعات انتشر خبر إعدام 81 شخصاً في السعودية من ضمنهم بعض الشيعة اليمنيين. وفي يوم الأحد أفاد موقع مقرَّب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بتعليق المفاوضات بين إيران والسعودية.

صباح يوم الأحد أيضاً، قصفت إيران أربيل، مركز إقليم كردستان العراقي، بالصواريخ؛ الأمر الذي أثار غضب المسؤولين العراقيين.

لماذا هاجمت إيران أربيل في هذه الظروف؟

تبنّى الحرس الثوري الإيراني مسؤولية قصف أربيل بينما كان المسؤولون الإيرانيون في وقت سابق لا يردُّون على الهجمات الإسرائيلية على مواقعهم، بل حتى إنهم كانوا يتسترون على هذه الهجمات داخل إيران؛ إلى درجة أن “محمد جواد ظريف” يقول في تسجيله الصوتي المسرَّب إن “جون كيري” أبلغه بـ200 هجوم إسرائيلي على مواقع الجمهورية الإيرانية وإن “قاسم سليماني” لم يتحدث بشيء عن هذه الأمور في لقاءاتهما الأسبوعية.

لكن ربما يشعر المسؤولون الإيرانيون حالياً أن أمريكا لن تبدي ردة فعل كبيرة إزاء هذا الأمر لأنها منشغلة بالهجوم الروسي على أوكرانيا. وفي الأجواء الداخلية في إيران، يُعلن النظام لمناصريه أن هذا الهجوم تمّ من تبريز حتى يكون ردة فعل على زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا بعد سنوات من الفتور في العلاقات بينهما، وكذلك ليكون رسالة لجمهورية أذربيجان.

في وقت سابق كانت إيران قد أبلغت العراقيين بنيتهم في قصف قاعدة أمريكية انتقاماً لمقتل قاسم سليماني، لكن ليس معلوماً هل أبلغتهم إيران هذه المرة بهجومها على أربيل أو لا.

حذّرت فرنسا أن مثل هذه الخطوات قد تُلحق الضرر بالاتفاق النووي، لكن “علي شمخاني”، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، غرّد على التويتر: “إن ساحة الحرب والدبلوماسية هما أدوات النظام الإيراني الإسلامي في إنتاج القوة الإيرانية، ويتم استعمالهما بطريقة ذكية بما يقتضيه الدفاع عن المصالح والأمن القومي. لقد علّمت تجربة ما يَزيد عن 40 سنة من عمر الثورة الإسلامية الشعبَ الإيراني أن الاعتماد على الشرق والغرب لا يَضمن حقوقه”.

في المقابل كانت إسرائيل مستعدة لمثل هذه الخطوات، وكانت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نشرت تقاريرَ تُفيد بأن الجيش الإسرائيلي رفع من مستوى جاهزيته لمواجهة الانتقام الإيراني المحتمَل أو انتقام فصيل حزب الله اللبناني. وحتى الآن ليس معلوماً على وجه الدقة المكانُ الذي استهدفته إيران في أربيل. وبينما ينفي إقليم كردستان وجود قاعدة إسرائيلية في منطقته، أعلن إعلام الحرس الثوري أنه استهدف قاعدة إسرائيلية.

ما دور قطر في المفاوضات الإيرانية الأمريكية؟

قبل يوم من الهجوم الإيراني على أربيل، أجرى وزير الخارجية القطري اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية الإيراني، ثم تحدّث مع نظيره الأمريكي هاتفياً أيضاً؛ الأمر الذي دَفَع بعضَ المصادر في إيران إلى الإعلان بأن هذا الهجوم أُبلِغَت أمريكا به عن طريق قطر هذه المرة.

وفي وقت سابق أيضاً كانت هناك توقعات عن دور قطر كوسيط بين إيران وأمريكا؛ وارتباطاً بهذه الأحداث نَشَر “حميد رضا دهقاني”، السفير الإيراني في الدوحة، على صفحته في التويتر صورةً لهاتف قديم مساء السبت وكتب لجمهوره: “كنتُ قد أخبرتكم أن الهاتف أداة جيدة”.

تزامناً مع هذه المفاوضات، زار الجنرال “آفيف كوخاي”، رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، البحرين، ثم التقى كذلك “سالم بن حمد بن عقيل”، رئيس هيئة الأركان في الجيش القطري؛ وكان أحد محاور هذا اللقاء هو نصب الرادارات في قطر للكشف المبكّر “للتهديدات الناجمة من الأداء الإيراني”، ومواجهة هجمات الطائرات المسيّرة المحتملة المنطلقة من إيران أو غيرها من دول المنطقة على إسرائيل والبحرين والإمارات والسعودية.

ما سبب تعليق المفاوضات الإيرانية السعودية؟

في الأثناء، أصبحت العراق، التي كان من المقرر أن تكون وسيطاً بين السعودية وإيران، ساحةً لقصف الصواريخ الإيرانية. ربما كان لهذا السبب أنْ طالب “فؤاد معصوم”، وزير الخارجية العراقي، أثناء زيارته إلى طهران بتحسين العلاقات بين إيران وأمريكا، وقال حينها إن العلاقة بين هذين البلدين “لا تُعتبَر مسألة خارجية للعراق”. وبالتأكيد فإن العلاقات بين إيران والسعودية تؤثر في جميع دول المنطقة.

أدّت العراق دوراً محورياً في تسهيل المفاوضات بين إيران والسعودية، ولكن الجولة الخامسة من المفاوضات بين البلدين تم تعليقها في وقتٍ يواصل فيه اللاعبون السياسيون العراقيون عملية تشكيل الحكومة الجديدة بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية العراقية. وربما يَكون هذا الموضوع أيضاً قد أثر في تعليق إيران للمفاوضات مع السعودية.

إن موضوع اليمن وجماعة الحوثي هو أهم الخلافات بين طهران والرياض في السنوات الأخيرة، حتى قبل إبرام الاتفاق النووي الإيراني في 2015؛ وكان متوقعاً ألا تستمر المفاوضات تزامناً مع إعدام عدد من المواطنين اليمنيين في السعودية.

يوم السبت نشرت وزارة الداخلية السعودية بياناً أعلنت فيه عن إعدام 81 شخصاً، من ضمنهم سبعة مواطنين يمنيين ومواطن سوري بتهمة ارتباطهم بالإرهاب وارتكابهم جرائم القتل.

في هذه الأجواء، وحتى لو لم تتم عملية الإعدام هذه، لم تكن هناك توقعات كبيرة من المفاوضات الإيرانية السعودية؛ ذلك أن البلدين يُفضِّلان الانتظار حتى تنجلي حالة الغموض التي تلفّ مفاوضات فيينا حول إحياء الاتفاق النووي، وحتى يتوضح العدوان الروسي على أوكرانيا.

في 19 فبراير/شباط 2022، تحدث “فيصل بن فرحان آل سعود”، وزير الخارجية السعودي، بدوره عن “عدم حدوث تطور حقيقي” في المفاوضات السابقة مع إيران.

من ناحية أخرى، ما تزال السعودية وحلفاؤها قلقين بشأن إحياء الاتفاق النووي الإيراني، ولم يحدث أي تغيير بالمقارنة مع ما قبل الاتفاق النووي.

تأثير تحسين العلاقات بين إسرائيل ودول المنطقة في علاقة هذه الدول مع إيران؟

في مؤتمر ميونيخ للأمن، كانت هناك جلسة جمعت “بيني غانتس”، وزير الدفاع الإسرائيلي، و“أنور قرقاش”، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات العربية المتحدة، و“عبد الله بن أحمد آل خليفة”، المستشار السياسي في وزارة الخارجية البحرينية. في هذه الجلسة سأل مُقدِّمُها هؤلاء هل ينبغي القول إن اجتماعهم في جلسة واحدة مَدين لإيران؟

أجاب وزير الدفاع الإسرائيلي إن إجراءات إيران أثرت في تقريب العلاقات بين إسرائيل والدول العربية لكنها ليست السبب الوحيد.

وفي الوقت نفسه أضاف قائلاً: “قبل عدة سنوات لم نكن نتوقع قَطُّ إجراء الحديث مع العرب حول الصداقة والتعاون الاستراتيجي. هذا نتيجة لقبول إسرائيل بوصفها جزءاً من الشرق الأوسط، وهذا ما يزال أول الطريق والعمل”.

كان “بنيامين نتنياهو”، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، قد تحدث عن “ناتو دول الخليج” بين هذه الدول وبين الدول العربية الأخرى؛ الأمر الذي صعّب الأمرَ على إيران أكثر.

على أن إسرائيل لم تُقدِّم لأمريكا المعلومات المرتبطة بانفجار الخُبر في السعودية قبل 25 سنة، ومنعت عملياً الهجومَ الأمريكي على إيران، لكن الوضع اختلف حالياً، وبالتالي فإن ردود الفعل إزاء خطوات إيران اختلفت كثيراً.

ما تأثير الغزو الروسي على أوكرانيا في العلاقات بين إيران والسعودية؟

بدوره خلقَ العدوان الروسي على أوكرانيا وضعاً جديداً، وجعل وضع الاتفاق النووي الإيراني يلفه الغموض. في الأثناء، ليس بين إيران والسعودية نزاع جادّ في الهجوم الروسي على أوكرانيا، لكن السعودية تستفيد من أمريكا للحصول على امتيازات أكبر في الوضع الراهن.

لا تتدخل السعودية والدول العربية في قضية الغزو الروسي على أوكرانيا؛ حتى إن كلاً من ولي العهد السعودي وولي العهد الإماراتي رفضا طلب الإدارة الأمريكية في إجراء اتصال هاتفي مع بايدن في الأسابيع الماضية حول الأزمة الأوكرانية.

كذلك كتبت صحيفة وول ستريت جورنال نقلاً عن المسؤولين الأمريكيين أن المسؤولين السعوديين يطالبون دعماً أمريكياً أكبر في حرب السعودية في اليمن، ومساعدة أمريكية لتطبيق البرنامج النووي السعودي غير العسكري، وإيجاد حصانة قانونية لولي العهد السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبينما تحاول أوروبا وأمريكا إحياء الاتفاق النووي الإيراني، فإن السعودية قلقة بشأن الاتفاق الجديد، كما أن إسرائيل أعلنت أنها ليست راضية كثيراً عن هذا الاتفاق. من هنا، يرى بعض المحللين في إيران أن قصف أربيل بالصواريخ هو وقوع في الفخ الذي نصبته إسرائيل.

لم تؤثر الأحداث الإقليمية في الأشهر الأخيرة في موضوع الاتفاق النووي الإيراني، ولولا مطالب روسيا كان التوصل إلى الاتفاق ممكناً رغم جميع هذه النزاعات. على أن تزايد التوترات في الوقت الحالي قد يؤدي، خلافاً لتصورات السفير الإيراني في قطر، إلى ألا تَعمل الهواتف ويَحدث وضع جديد.