زيمينا هيريرا – إيران وير
تعزز التعاون بين النظامين الفنزويلي والإيراني خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية بشكل ملحوظ، ولم يكن هذا التعاون دائماً مُتسماً بالنوايا الحسنة.
في الأسبوع الماضي تماماً أعرب مسؤولون أمريكيون عن قلقهم من احتمال أن تبدأ إيران “تبادل الأسلحة مع الجيش الفنزويلي”، وحذروا من أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع الصواريخ الإيرانية التي قد ينتهي بها المطاف في أيدي القادة الديكتاتوريين في أمريكا الجنوبية.
جاء ذلك بعد شهر واحد فقط من عودة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف من رحلة إلى فنزويلا حيث وعد الحاضرين بأن “عصر الهيمنة الغربية قد انتهى.”
كيف ولماذا نشأ هذا التحالف العسكري السري؟ كان الرئيس السابق هوغو تشافيز- رئيس الوزراء الاشتراكي لفنزويلا منذ عام ١٩٩٩ حتى وفاته في عام ٢٠١٣ قد زرع بذور التقارب السياسي مع إيران، ولكنه كان يسعى أيضاً لتنفيذ مشروع عسكري واقتصادي أكبر بكثير. شجع تشافيز الاستثمار الإيراني في فنزويلا، ابتداءً من قطاع النفط، وأنشأ لهذه الغاية بنكاً سماه “Banco Binacional Iran Venezuela.” في الوقت نفسه، وللحصول على مزيد من الدعم الإيراني، روج الرئيس السابق لسياسة “غض النظر” التي سمحت باستخدام فنزويلا على أنها قاعدة لحزب الله، وجزء من عملية توسع الحزب في أمريكا الجنوبية. وحزب الله جماعة متشددة، ووكيل أيديولوجي قوي لإيران، ومازال هذا الوضع مستمراً حتى يومنا هذا، حيث يسعى حزب الله للحصول على دعم سياسي ومالي في المنطقة.
حزب الله في فنزويلا: نظرة عامة
يشرح جوزيف هومير، المدير التنفيذي لمركز أبحاث (مركز مجتمع حر آمن)، ومقره العاصمة واشنطن، أن معظم القواعد الداعمة لحزب الله في أمريكا الجنوبية تقع داخل مجتمعاته العربية واللبنانية. يوجد أكبرها في البرازيل والأرجنتين وكولومبيا وفنزويلا،. وقال لإيران وير إن هناك تسع عائلات بالتحديد من الجالية اللبنانية في فنزويلا ساعدت حزب الله على ترسيخ وجوده في البلاد: على رأسها ثلاث “عشائر” تُعرف باسم عائلة رضا، وعائلة صالح، وعائلة نصر الدين.
من المهم ذكره بأن حزب الله عمل في فنزويلا قبل ذلك، ولكن مع وصول الفكر التشافيزي تنامى وجود الحزب أكثر.
هناك أدلة على أن الحزب استخدم كاراكاس كنقطة استراتيجية لتطوره المالي، بالإضافة إلى تنظيم هجمات إرهابية: أبرزها تفجير عام ١٩٩٤ ضد جمعية التعاون الاسرائيلي الأرجنتيني (AMIA) في بوينس آيرس، والذي أسفر عن مقتل ٨٥ شخصاً. أظهرت الأدلة المقدمة في المحكمة أنه من الواضح بأن التخطيط للعملية قد تم في فنزويلا. يُقال بأن عامر محمد عقيل رضا، وهو مواطن مزدوج الجنسية، لبناني- فنزويلي، والذي تقوم عائلته “رضا” بجمع ثروة من العملة المشفرة وذلك بدعم من نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، شارك في تنظيم الهجوم، وشارك أيضاً في عام ١٩٩٢ بالتفجير الإرهابي للسفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس.
ووفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الصحافة الفنزويلية La Gran Aldea ومقرها كولومبيا، فإن حزب الله يجمع ما يقدر بثلاثة إلى خمسة ملايين دولار سنوياً من الأنشطة غير القانونية بما في ذلك غسيل الأموال وتهريب المخدرات في منطقة الحدود الثلاثية: وهي قطعة أرض على الحدود بين الباراغواي والأرجنتين والبرازيل. وكذلك هو حال منطقة أخرى للنشاط المالي الكبير وغير المشروع لحزب الله، ألا وهي جزيرة مارغريتا في فنزويلا، والمعروفة باسم “المنطقة الحرة” في منطقة البحر الكاريبي.
وفقاً لمُخبرين يعملون في إدارة مكافحة المخدرات (DEA)، استعمل الدبلوماسي الفنزويلي غازي نصر الدين منصبه في السفارة الفنزويلية في سوريا، عام ٢٠٠٩، للتوسط في لقاء، في ذات البلد، بين حزب الله ووزير الداخلية الفنزويلي آنذاك طارق العيسمي، والرئيس السابق للاستخبارات المضادة الفنزويلية هوغو كارفاخال باريوس، الذي يخضع حالياً لمذكرة توقيف من إدارة مكافحة المخدرات تتعلق بتبادل الكوكايين مقابل أسلحة. تمت هذه الصفقة في عام ٢٠١٤، تم التفاوض عليها نيابة عن القوات المسلحة الثورية الكولومبية (FARC)، وشهدت وصول طائرة شحن لبنانية مليئة بالأسلحة إلى المجمع الرئاسي في مطار مايكويتيا الدولي في كاراكاس. ومن هناك تم نقل الأسلحة إلى قاعدة Guárico العسكرية في فنزويلا.
يوجد قسم آخر من عائلة نصر الدين في جزيرة مارغريتا على وجه التحديد. يُعتقد بشكل كبير أن أفراد هذه العائلة هم “وسطاء” لحزب الله، وهم مسؤولون عن العديد من عمليات غسيل الأموال التابعة لحزب الله، كما أنهم مسؤولون عن الأنشطة التجارية للحزب في أمريكا اللاتينية. شخص أساسي آخر هو أودا نصر الدين عزا إليه كل من غران الديا والمجلس الأطلسي إنشاء مراكز تدريب شبه عسكرية في جزيرة مارغريتا.
في حديثه إلى إيران وير، يضيف جوزيف هيومير أن الهدف من مراكز التدريب هو أكثر من مجرد تسليح مجموعة من الأشخاص، إذ عوضاً عن ذلك، توفر هذه المراكز “التدريب على عمليات زعزعة الاستقرار”، والتي بدورها تسمح للنظام الإيراني بالسيطرة بشكل أفضل على المنطقة من خلال حزب الله.
يُعتقد أن الأخوين نصر الدين مقربان من طارق العيسمي، الذي أصبح وزيراً للنفط منذ ذلك الحين.
على عكس خليفته نيكولاس مادورو، سعى هوغو تشافيز إلى إنشاء خط لا يمكن تجاوزه في العلاقات بين فنزويلا وإيران وحزب الله. أوضح مثال على ذلك ما فعله تيودورو دارنوت عام 2006 وهو الرجل الذي أطلق على نفسه اسم “إمام حزب الله في فنزويلا،” إذ زرع قنبلة بالقرب من سفارة الولايات المتحدة في الدولة الكاريبية.
تم القبض على دارنوت وشريكه في التآمر، وتفكيك قاعدة عملياته، في رسالة واضحة لمن سعوا إلى فرض موقفهم من خلال العنف والإرهاب في البلاد.
وأكد المجلس الأطلسي أن حزب الله كان قادراً في عهد مادورو على ” تحويل فنزويلا إلى بلد للجريمة المنظمة العابرة للحدود والإرهاب الدولي.” مع وصول معارضة مادورو الشعبية والسياسية إلى ذروتها العام الماضي، زعمت عدة أحزاب أن رئيس الوزراء المحاصر سعى،في المراحل الأولى من ولايته للحصول على دعم من حزب الله، باعتبار أن الحزب غير معروف نسبياً.
إن إبقاء مادورو في السلطة الآن يناسب حزب الله أيضاً بسبب تعاملاتهم المربحة من ناحية التهرب من العقوبات، والحرية التي يتمتع بها الحزب للقيام بأنشطة غير قانونية في فنزويلا.
تُستخدم الدولة أيضاً كقاعدة للقرصنة التجارية العابرة للحدود:
قام المسؤولون التشيليون بتسمية العديد من شركات الاستيراد والتصدير المشتبه في أنها تعمل كمنظمات واجهة أو قراصنة لحزب الله، بما في ذلك شركة صالح للتجارة المحدودة، والتي وفقاً لتقارير من المعهد الوطني للملاحة الجوية المدنية (INAC)، كانت تستورد “المنسوجات” من فنزويلا إلى تشيلي بشكل منتظم.
التشبث مع إيران بصفقات التهرب من العقوبات
في بلد يعاني من زيادة يومية في التضخم، والعقوبات الاقتصادية، وتراجع الدعم من المجتمع الدولي، يعيش مادورو الآن في وضع حرج، وهذا على الأرجح سبب سعي نظام مادورو للحفاظ على علاقات ودية مع إيران بأي ثمن. بالمقابل، قامت إيران بإثارة ضجة إعلامية كبيرة لدعم نيكولاس مادورو، لكن من الواضح أن هدفها الحقيقي في البلاد هو الأعمال التجارية، وليس السياسة.
في الأسابيع الماضية، أرسلت إيران أكبر أسطول لديها على الإطلاق من ناقلات النفط إلى فنزويلا، لمساعدة الدولة المعزولة في أزمة نقص الوقود في فصل الشتاء، ومازالت صادرات البنزين من إيران إلى فنزويلا مستمرة لبعض الوقت الآن، وذلك في تحدٍ للعقوبات الأمريكية، وبالرغم من المداهمات والمصادرات التي بسببها وصفت إيران الولايات المتحدة بأنها “تقوم بالقرصنة”.
بلغت قيمة المواد الأخيرة، التي تمت مصادرتها في أكتوبر، أكثر من ٤٠ مليون دولار. كذلك فإن إنتاج فنزويلا من النفط الخام آخذ في الارتفاع مرة أخرى، ومن المرجح أن تقوم الناقلات الإيرانية التي تم إرسالها مؤخراً وبعد تفريغ وقودها بالمساعدة في تصدير الخام الفنزويلي غالباً إلى روسيا والصين.
تتجاوز العلاقات التجارية بين إيران وفنزويلا صادرات النفط. ففي وقت سابق من هذا العام وفي لفتة رمزية، احتفلت الدولتان بافتتاح Megasis، وهو سوبر ماركت إيراني في كاراكاس. خلف الكواليس، يُعتقد أن السوبر ماركت مرتبط بكل من الحرس الثوري الإيراني وأليكس صعب، وهو رجل أعمال كولومبي مؤيد لمادورو من أصول لبنانية، تم القبض عليه في ١٢ يونيو/ حزيران من هذا العام من قبل مكتب المدعي العام الكولومبي، فيما يتعلق بصادرات وهمية مزعومة وغسيل الأموال. واتهمت وزارة الخزانة الأمريكية صعب بالربح من “العقود المُبالغ في قيمتها،” بما في ذلك برنامج دعم الغذاء الحكومي الفنزويلي، والمشاركة في عمليات غير قانونية مرتبطة بالذهب في الدولة الكاريبية. على الرغم من اختلاف وجهات النظر، فإن سوبر ماركت Megasis هو أفضل مثال لنوع الدعم الذي تتمتع به إيران في فنزويلا.
إرسال تعليق